الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

قيمة الشخص: إيمانويل كانط/جورج غوسدروف/يورغن هابرماس/كارل ماركس

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم عام للمحور:
إن المتأمل لهذا العالم يلاحظ بأنه يمكننا أن نستخدم جميع الأشياء في هذا العالم، انطلاقا من النبات إلى الحيوان دون أن يصدر عن هذه الأخيرة أي رد فعل خاص بها مادامت عبارة عن أشياء أو موجودات تتقبل طبيعتها بشكل تلقائي، لكن على خلاف ذلك فالكائن الحي ينفي ويرفض أن يوظف مثل باقي الأشياء في الطبيعة، لذلك نجده يطالب بضرورة احترامه وتقديره.

إن هذا المطلب الذي يرفعه الكائن الحي ضد باقي الأغيار والذي يوحي بأن هذا الكائن حامل لقيمة ما تجعله يرفض أن يعامل مثل موجودات الطبيعة كما يقول هيغل في كتابه"الإستطيقا" هو ما أعطى المشروعية للفلاسفة لكي يسائلوا الأساس الذي يبني عليه الكائن الحي هذا المطلب الذي يلخص في ندائه الدائم"احترموني فلست شيء أو بضاعة". فمن أين يستمد الشخص قيمته؟ هل انطلاقا من كونه شخصا مالكا للوعي والفكر والحرية والأخلاق والحقوق أي باعتباره غاية في ذاته أم من كونه وسيلة يمكن توظيفها لأجل غايات أسمى منه؟(مثلا ما تقتضيه مصلحة الدولة في علاقتها بالجندي).
الإشتغال على نص بديل داخل الفصل لإمانويل كانط /مقتطف من كتابه تأسيس ميتافزيقا الأخلاق
  الأفكار الأساسية للنص:
يرفض إمانويل كانط النظر للإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة لأننا بهذه النظرة نكون قد حططنا من قيمته وجعلناه شبيها بالحيوان.
ينتقل إمانويل كانط ليبين لنا جوانب القصور في التصور الذي يقيم الإنسان من خلال امتلاكه لملكة الفهم(القدرة على إنتاج المعرفة وتنظيم معطيات الحساسية/التجربة) ويرفض كانط أن ننظر للإنسان باعتباره ذاتا عارفة لأن هذا التصور سيجعل من الإنسان بضاعة ويضرب في العمق مبدأ المساواة بين الناس.
يبين كانط أن ما يسمو بقيمة الإنسان عن الأشياء هو النظر إليه باعتباره شخصا أي ذاتا أخلاقية حاملة لعقل عملي/أخلاقي، ومالكا لكرامة تجعل منه غاية في ذاته وليس وسيلة يمكن استخدمها من طرف أي ذات حسب رغباتها و مصالحها.
تصور امانويل كانط : الشخص غاية في ذاته
يوجه إيمانويل كانط في كتابه "تأسيس ميتافزيقا الأخلاق "للتصورات الأخلاقية العرفية القائمة على العادة والعرف لأنها تحدد قيمة الإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة، وهو ما يحط من قيمته ويجعله شبيها بالحيوان كما يوجه نقدا للتصورات المعرفية التي تنظر لقيمة الإنسان انطلاقا من كونه مالكا لملكة الفهم، أي ذاتا عارفة قادرة على إنتاج المعرفة وتنظيم معطيات التجربة لأن تقدير الإنسان واحترامه فقط لكونه قادرا على إنتاج المعرفة سيجعلنا نخل بمبدأ المساواة في النظر للإنسان وهو ما سيجعل منه سلعة قابلة للتقويم بسعر من الأسعا، ولم يقف إمانويل كانط عند هذا الحد، بل وجه نقدا لاذعا للتصورات النفعية التي تنظر للإنسان من زاوية المنفعة والمصلحة التي يمكن أن يقدمها للذات، ويطرح لنا كانط تصورا بديلا يمكنه أن يسموا بالإنسان على الأشياء والحيوانات، فحين ننظر للإنسان باعتباره شخصا أي حاملا لعقل أخلاقي/عملي يمكنه حينها وفقط أن يستمد قيمته انطلاقا من كونه غاية في ذاته وليس وسيلة قابلة للاستخدام من طرف أي ذات حسب مصالحها ورغباتها، فالنظرة للإنسان باعتباره شخصا، تجعلنا نقدره ونحترمه باعتباره حاملا لكرامة غير قابلة للتقييم بسعر، وأي حط أو اعتداء على كرامة الإنسان هو اعتداء على الإنسانية جمعاء وهو ما يؤكده كانط بقوله في كتابه "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق":"عندما نعتبره شخصا، أي كذات لعقل أخلاقي عملي، سنجده يتجاوز كل سعر.وبالفعل لا يمكن أن نقدره بوصفه كذلك أي بوصفه شيئا في ذاته-كوسيلة لتحقيق غايات الآخرين أو وسيلة لتحقيق غاياته الخاصة-، بل يمكن تقديره كغاية في ذاته. وهذا يعني أنه يمتلك كرامة،وبامتلاكه لهذه القيمة يرغم كل الكائنات العاقلة الأخرى على احترام ذاته".
  البنية الحجاجية للنص:
انسجاما مع روح الخطاب الفلسفي باعتباره خطابا حجاجيا أسس إمانويل كانط لأطروحته بالإنطلاق في بداية النص من عرضه للتصور العرفي الذي ينظر للإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة ويتمثل ذلك في قوله"يعتبر الإنسان داخل نظام الطبيعة-كظاهرة من ظواهر الطبيعة وكحيوان عاقل-كائنا غير ذي أهمية قصوى"فإمانويل كانط من خلال توظيفه لأسلوب العرض في بداية النص يهدف إلى توضيح حدود التصور  العرفي الذي يحصر الإنسان داخل الزاوية البيولوجية وهو ما يحط من قيمته، لكن إمانويل كانط لايكتفي بالعرض بل يوظف الاستدراك الذي يتغيى من خلاله عرض وجهة النظر المعرفية التي تقيّم الإنسان باعتباره ذاتا عارفة وهو ما يجعله شبيها بالسلعة المعروضة في السوق ويبدوا ذلك واضحا في قول كانط" لكن إضافة إلى امتلاكه ملكة الفهم-الشيء الذي جعله يسمو على جميع الكائنات الأخرى، وقادرا على تحديد غايات لنفسه-لايكسب بذلك إلا قيمة خارجية نفعية"، وبعد عرضه لكل هذه التصورات يستنتج كانط أن السمو بالإنسان باعتباره غاية في ذاته وليس وسيلة رهين بالنظر إليه باعتباره شخصا، حاملا للإنسانية في شخصه وهو ما يبدوا واضحا في قوله"وهكذا تكون الإنسانية التي تكمن في شخصه موضوع احترام يمكنه أن يلزم به كل الآخرين .
تصور جورج غوسدروف:الشخص يستمد قيمته من المشاركة والتضامن
ينطلق غوسدروف في تصوره لقيمة الشخص من إعادة النظر في جميع التصورات الفلسفية  والسياسية للقرن الثامن عشر وخاصة التصورات اللبرالية التي ركزت على إعطاء قيمة للفرد على حساب الجماعة، هذه النزعة الفردية التي كان تقديسها يخفي أبعادا ايديولوجية غايتها الدفع بالفرد لكي يتحرر من كل التزام أخلاقي تجاه المجتمع، مفكرا فقط في مصالحه وأهدافه الشخصية، وعوض ذلك يؤكد غوسدروف على أن ما يميز الشخص الأخلاقي هو القدرة على الوعي بوهم الفردانية الذي تسعى الأنظمة الليبرالية تكريسها والإتجاه نحو الإندماج والمشاركة مع الآخرين في بناء عالم يسوده التضامن بين جميع أفراده، وعلى هذا الأساس تصبح قيمة الشخص مرتبطة بقدرته على التعبير الفعلي والعملي في الواقع عن تضامنه ومآزرته والتزامه تجاه الآخرين أخلاقيا وسياسيا من أجل تحرير العالم من الأوهام التي ترغب الرأسمالية في تكريسها عن طريق مختلف وسائلها الإيديولوجية وفي هذا الصدد يقارن بين الفرد الذي يعيش أوهاما باعتقاده "أنه امبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة". إن الشعور الأخلاقي يفرض حسب غوسدروف،الإيمان بأن العالم ليس فضاء للذات وحدها، وإنما هو فضاء لتلاقي ذوات كثيرة، تتعاون جميعها من أجل الوصول إلى غاية واحدة، وهي خدمة القيم الإنسانية النبيلة والعف في مقابل ذلك عن كل فكر أناني ومتوحش".
يورغن هابرماس:الشخص يستمد قيمته من قدرته على التبرير العقلاني لأفعاله
يدافع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس في  كتابه "أخلاقيات المناقشة" على أن قيمة الشخص/الفاعل لايستمدها في عالم مابعد الدولة-الأمة من انتمائه الجغرافي أو السياسي أو الديني أو العرقي  أو من مكانته الإجتماعية، بل من قدرته على تبرير أفعاله الأخلاقية والسياسية والإقتصادية تبريرا عقلانيا لباقي الذوات التي يتقاسم معها الفضاء العمومي، إن هابرماس ينطلق من نقده الشديد للشخص الأخلاقي المستقل الذي يشرع لأفعاله الأخلاقية بمعزل عن باقي الذوات كما هو الأمر في التصور الكانطي، فالأخلاق غير كافية للنظر إلى الشخص باعتباره قيمة بل لابد أن يستمد الشخص قيمته من خلال القوانين التي يجب أن تقوم عليها دولة الحق والقانون، فالقانون هو الوسيط الوحيد الذي يجب أن يستمد الشخص منه قيمته في عالمنا اليوم. ومن قدرته على استخدام عقله استخداما نقديا في جميع المجالات العمومية دون أي تأثير من طرف السلطة.
كارل ماركس:الشخص مجرد وهم برجوازي ولا قيمة له في النظام الرأسمالي
ينظر كارل ماركس لقيمة الشخص من منظور طبقي محض، فالشخص عند كارل ماركس هو عبارة عن وهم برجوازي ولا يحمل أية قيمة في ذاته كما تصوره الفلاسفة بل يستمد قيمته في هذا النظام انطلاقا مما ينتجه، لكن رغم ذلك يعاني من أبشع أساليب الاستغلال مادامت وسائل الإنتاج في يد الطبقة الرأسمالية، ولكي تكون للأفراد  قيمة لابد من تحررهم عن طريق الوعي الحقيقي لجميع البروليتاريين بموقعهم الطبقي من وسائل الإنتاج، وبالتالي فالثورة هي الطريق الوحيد للقضاء عن ما يعوق تحرر الأفراد وبروز شخصياتهم، وبالقضاء على النظام الرأسمالي وبناء المجتمع الشيوعي سيصبح للفرد قيمة يستمدها من وجوده الواقعي في موقع يجعل منه مالكا لوسائل الإنتاج.

الشخص والهوية الشخصية:رونيه ديكارت/جون لوك/ارثر شوبنهاور

إذا كان الشخص نتاج ثقافي، يخترق تاريخ الإنسانية عموما وتاريخ الفلسفة على الخصوص، ولأنه كذلك فقد اعتبرت التربية العدة التي من خلالها يتجذر ويتطور مفهوم الشخص. علما أن الشخص هو تعبير ليس فقط عن انتماء للجماعة، ولكن عن تفرد خاص، ليس لأنه ضد الجماعة، بل لأنه يريد أن يكون متميزا داخلها، فبقدر ما أن الشخص نتيجة للتنشئة الإجتماعية، بقدر ما يرسم مساره الفردي والنفسي الخاص. إنه يصارع لا من أجل أن يوجد فقط، بل من أجل أن يفرض ذاته وسط عالم الآخرين،
ومن أجل أن يتحرر من كل السلط بما فيها سلطة فكره، فإذا كان مبدأ الهوية الشخصية من الناحية الإصطلاحية يقتضي أن يحقق الشخص نوع من التطابق الذي قد يفضي به إلى الإنغلاق على العالم لكي يحافظ على هويته لكن ضرورة "العيش بالمعية" تفرض نوع من الخروج من التمركز حول الذات لمشاركة الآخرين تجاربهم والانخراط معهم في بناء العالم، وفي هذا البناء يبني الشخص شخصيته ويكتسب هويته من تفرده عن باقي الأشخاص وشخصياتهم، فلا أحد ينكر أن الشخص يتعرض في حياته لسلسلة من التحولات، تسهم في إحداث تغيرات جذرية على مستوى جسمه، وفكره، لكن خلف ما يتعرض  لتبدل وتحول هناك عنصر ما يبقى دائما هو هو، أطلق عليه اسم" الهوية" ذلك أن ثمة عناصر لا يمكن أن يطالها التعديل وهي التي تعطي للشخص ذاتيه وخصوصيته.
على هذا الأساس نطرح الإشكال الآتي : ما هوية الشخص؟ ومن أين يستمد الشخص هويته هل من كونه جوهرا عاقلا ومفكرا وواعيا ومستقلا وأخلاقيا وحقوقيا  أم يستمدها من انتمائه الثقافي والسياسي و الإثني ومن مكانته ووظيفته الاجتماعية؟ بعبارة أخرى ما هو هذا الشيء الذي يظل ثابتا في الشخص والذي يستمد منه هويته مهما تغير دوره وانتمائه ووظيفته الاجتماعية؟هل هوية الشخص قائمة على المطابقة والتمركز حول  الذات أم هويته مستمدة من انفتاحه الدائم على العالم والآخرين؟.هل يكفي القول بمعيار الفكر والوعي والشعور والقدرة على التذكر كأساس للهوية الشخصية أم أن للإرادة   دور في تحديد هذه الهوية الشخصية؟
التصور الديكارتي:  هوية الشخص كامنة في كونه  جوهر مفكر

نظرا لتأثير الذي مارسته الثورة الكوبرينيكة على فكر رونيه ديكارت فهذا الأخير وجد نفسه في حالة من عدم اليقين والحيطة والحذر من التصورات الفلسفية الأرسطية، لكنه رغم محاولاته لقلب تاريخ الفلسفة وإيجاد أساس متين للحقيقة لا يطاله الشك فإن هذا المسعى قاده للارتماء في أحضان الإرث الأرسطي حينما ربط ديكارت هوية الشخص بمدى مطابقته لذاته وبقدرته على التفكير والوعي في استقلالية عن العالم وعن باقي الذوات، وبالتالي فالشخص لا يصير شخصا ولا يحافظ على ثباثه وهويته في الزمان  والمكان إلا إذا كان قادرا على استخدام فكره وعقله استخداما منهجيا وفي استقلالية عن العالم وباقي الأغيار، فمادام الجسم ليس سوى ألة حسب ديكارت فليس بإمكانه أن يكون أساسا لهوية الشخص رغم كون هذا الجسم مرتبط بالنفس عند ديكارت والتي يعتبرها ديكارت إلى جانب الجسم جوهرين متمايزين عن بعضهما، لكن الجسم يظل عبارة شيء كباقي الأشياء الموجودة في العالم في حين هوية الإنسان وجوهره هو كونه "أنا مفكرة" وجوهرا هو النفس متميز بالتفكير  والقدرة على الشك والإثبات والنفي وفي هذا الصدد يقول ديكارت"أنا أفكر،أنا موجود".
الموقف الفلسفي التجريبي:تحليل نص جون لوك من خلال الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة ص 15
  التعريف بصاحب النص:
جون لوك John Locke ولد سنة 1632-1704 وهو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي.

  أهم أعماله:

محاولة في فهم الإنسان
الحكومة المدنية

  البنية المفاهيمية للنص:

الشخص: كائن مفكر،عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها.
الشعور: هو القدرة على الإحساس و تعقل العالم الخارجي
الهوية الشخصية : وتحيل حسب لوك على ما يجعل الكائن هوهو عبر الزمان والمكان عبر الحاضر والماضي.
يتضح من خلال البنية المفاهيمية للنص أن جون لوك يربط بشكل وثيق بين هوية الشخص والقدرة على الشعور  بالعالم الخارجي.

  إشكال النص:
من أين يستمد الشخص هويته هل من كونه ذاتا واعية ومفكرة ومتأملة أم من كونها ذات لديها القدرة على الإحساس والشعور بذاتها وبالعالم المحيط بها؟
  الأفكار الأساسية للنص:
ينطلق جون لوك من تعريف مفهوم الشخص بكونه ذاتا مفكرة وعاقلة ومتأملة وقادرة على تعقل العالم باستقلال عن باقي الذوات، لكن هذا الفكر المميز للشخص يظل مقترنا وممتلئا بمعطيات الشعور(القدرة على الإحساس).
ينتقل جون لوك ليعطي مثالا يبين من خلاله الإرتباط الوثيق بين أحاسيس الشخص وبين معارفه، فلا يمكن للشخص أن يعرف حسب جون لوك إلا ما يمكنه أن يحس به.
ينتهي جون لوك إلى التأكيد على أن ما يكون الهوية الشخصية  للشخص هو قدرته على الإحساس والشعور والتذكر لتجاربه وإحساساته السابقة فليس هناك جوهر مميز لهذه الذات كل ما هناك هو قدرة الذات على الإحساس وتذكر تجاربها عبر الزمكان.

  الأطروحة:

في كتابه "محاولة في الفهم الإنساني" تعرض جون لوك لمسألة الهوية الشخصية حيث أكد على أن ما يحدد هوية الشخص هو قدرته على الشعور والإحساس بالعالم الخارجي، فليس هناك هوية ثابتة لدى الشخص ومعطاة بشكل قبلي بل الهوية هي ثمرة للانطباعات وأحاسيس وتجارب الذات التي لا يمكنها أن تعرف أي شيء عن نفسها بمعزل عن قدرتها على الإحساس، وبالتالي فما هو ثابث في الشخص هو تميزه بكونه قادرا على تذكر ما كان عليه في الماضي والحاضر، إذ هذه الذات تولد صفحة بيضاء وكل ما تعرفه لاحقا هو ما خطته التجربة والشعور.وعلى على هذا الأساس فالذاكرة ليست معطى فطريا بل هي بمثابة وعاء يملئ  ويشكّل بتجارب الشخص وأحاسيسه وأفكاره وتمتلاثه وتصوراته، وكل ما ظل هذا الشخص  قادرا على تذكر هذه التجارب والأحاسيس كلما حافظ على هويته وثباثه ووحدته في الزمان والمكان.
تحليل نص شوبنهاور  من خلال الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة ص 15
  الأفكار الأساسية للنص(عناصر الأطروحة)

ينطلق شوبنهاور في بداية النص من نفي أن يكون الجسم هو ما يحدد هوية الشخص لأنه مجرد عرض زائل ومتغير في حين أن هوية الشخص عند شوبنهاور مرتبطة بما هو ثابث في هذا الشخص مهما تغيرت أعراضه(الجسم/السن/الشكل/اللون...).
ينتقل شوبنهاور ليحدد مميزات الهوية ويحددها بما يحافظ للشخص على ثباته كما يوجه نقدا جذريا لفلسفات الوعي التي أكدت على أن هوية الشخص مرتبطة بقدرته على التفكير (الفلسفة الديكارتية)أو بقدرته على التذكر والشعور بالتجارب الماضية (الفلسفة التجريبية مع لوك)وكلها محددات معرضة للتلف والتحول ويطرح شوبنهاور عوض ذلك مفهوم الإرادة باعتباره هو ما يحدد هوية الشخص والوجود.
ينتهي شوبنهاور ليوضح أن فعل المعرفة لا يمكن أن يكون هو أساس هوية الشخص لأنه مجرد وظيفية من وظائف الدماغ التي قد تصاب بالتلف فهوية الشخص ليست قدرة على المعرفة أو الشعور والتذكر بل هي إحساس ترانسندنتالي يتعالى على التجربة والزمان المكان يدفع بالإنسان إلى أن يرغب ويريد أو لا يريد.
  الأطروحة:
يدافع شوبنهاور في نصه على أن أساس هوية الشخص لا يمكن أن يكون هو الجسم أو الجسد لأنه عرض متغير، كما ينفي أن تكون الذاكرة أو الشعور لأنها قدرات معرضة للتلف، كما ينفي أن تكون القدرة على إنتاج المعرفة هي ما يحدد هوية الشخص بل هوية الشخص عند شوبنهاور مستمدة من الإرادة باعتبارها ما يحدد هوية الشخص، والإرادة عند شوبنهاور لا تعني الفعل الواعي المسترشد بالعقل، بل هي إرادة الحياة التي تعبر عن نفسها كاندفاع أعمى لا عاقل نحو الحياة، فالإرادة عند شوبنهاور هي أن نريد وأن نرغب ومن ثم فالإرادة هي الرغبات والاندفاعات والميولات من كل نوع، وهي تمتد فيما وراء الحياة الواعية لتشمل أيضا الحياة اللاواعية والطبيعة اللاعضوية كذلك، والإرادة عند شوبنهاور ليست فردية بل هي تتعالى على العقل الفردي لتشمل السواد الأعظم لأنها ليست مرتبطة بالضرورة بذات عاقلة وواعية، بل هي ما يتعالى على المعرفة والوعي وفي هذا الصدد يقول شوبنهاور في كتابه العالم إرادة وتمثل: "فالإرادة تتجلى في قوى الطبيعة اللاعضوية كما هو الحال -على سبيل المثال- في قوة الجاذبية التي تجذب الحديد إلى المغناطيس والأرض إلى الشمس وتتجلى في الطبيعة العضوية  في كافة درجاتها بدءا من النبات حتى الإنسان الذي تقترن فيه الإرادة بالمعرفة والوعي، غير أن هذا لا يعني أن الإرادة في حالة الإنسان تصبح عاقلة، لأن عقل السواد الأعظم من الناس يكون تابعا لإرادته وفي خدمتها، فنحن لا نريد شيئا لأننا وجدنا أسبابا له، وإنما نجد أسبابا له لأننا نريده، وبوجه عام لم يتمكن أحد أن يقنع أحدا بالمنطق، أو بالعقل أو بالتصورات المجردة، فلكي يقنعه يجب أن يخاطب إرادته". ولا يستطيع التخلص من قهرية الإرادة حسب شوبنهاور إلا الفنان المبدع الذي يتحرر من الإرادة وقتيا أثناء رؤيته الإبداعية التي تصبح معرفة خالصة نزيهة ومتحررة من عبودية الإرادة، والزاهد القديس الذي يتحرر من عبودية الإرادة بشكل دائم من خلال وأد رغباته، إن الإرادة عند شوبنهاور تعبر عن نفسها بوصفها اندفاع أعمى لا عاقل نحو الحياة، من خلال كفاح أبدي وصراع لا يهدأ من أجل حفظ حياة الفرد وبقاء النوع، وهو كفاح وصراع لا يتوقف إلا بالموت ولكن الموت  لا ينهي معاناة وشقاء الإنسان(أو البشر) لأنه ينهي فحسب الإرادة كما تتجلى في الفرد ولكن الإرادة تواصل وجودها في النوع البشري ومن هنا فوحدها الإرادة ما يشكل هوية الشخص سواء كان فردا أو جماعة.

المحور الأول: ما الشخص؟

ذ.الزاهيد مصطفى
v                       ملاحظة مهمة:
لكي نجيب على الإشكالات التي طرحناها، وفيما يخص المحور الأول الذي يجب أن نكون دقيقين في تجاوز الخلط الذي يطال تناول هذا المحور في بعض الأحيان حسب التصنيف الذي قدم به في الكتاب المدرسي، يجب الانتباه أن التساؤل حول مفهوم الشخص تارخيا سابق على تحديد هويته الشخصية لذلك سنجعل تصور بليز باسكال هو نقطة الانطلاق لكي نؤسس عليها باقي التصورات:هل الشخص معطى طبيعي وقابل للإدراك والمعرفة كجوهر مستقل  أم أنه نتاج عملية بناء تتدخل فيه مختلف المؤسسات الإجتماعية؟


موقف  بليز باسكال / من خلال نص صفحة 14 من الكتاب المدرسي
الشخص جوهر لا يمكن معرفته:     
   ينطلق باسكال من طرح مجموعة من الأسئلة يميز من خلالها الشخص باعتباره جوهرا/نفساوالشخصية باعتبارها أعراضا ثانوية/جسم/صفات خارجية يتجلى من خلالها هذا الشخص لباقي الأشخاص، ومن هنا نجد مع باسكال أنه يصعب تحديد مفهوم الشخص لأن كل ما نعرفه هو أعراض خارجية لشخصية الشخص، فالشخص عند باسكال باعتباره "أنا" تتوارى خلف الشخصية التي ترى للعين و ينفلت من محاولاتنا لإدراكه و معرفته وكل ما يمكننا معرفته هو الصفات والسلوكات المميزة للشخص  والقابلة للزوال، وهنا نلاحظ التأثير الأفلاطوني في فكر باسكال الذي أقام هو أيضا تعارضا بين وحدة النفس ووحدة الجسم في محاورة فيدون فالنفس/الشخصباعتبارها جوهرا لا يعرف طريقه للخلاص إلا حين يتحرر من عوائق الجسد باعتباره عرضا زائل.إن الشخص عند باسكال جوهر لايمكن معرفته أو إدراكه.وهو ما بينه من خلال مثال النظرة التي أكد من خلالها أنها لا تمكنني من إدراك "أنا"الشخص ومعرفتها بل تضعني فقط أمام ما يتجلى منه وهو جسمه وسلوكاته وصفاته الخارجية، كما أعطى مثالين للحب الذي يتأسس على الجمال باعتباره عرضا أو على قوة الأحكام العقلية التي تظل فقط صفات قابلة للتلف والتلاشي . وبالتالي فما ندركه ونعرفه عن بعضنا البعض وفي بعضنا هو صفات معينة وليس الأنا كما تصورها ديكارت باعتبارها جوهرا متمايزا عن الجسم الذي سيظل عبارة عن آلة متغيرة لا يمكنها التعالي عن الزمان والمكان.
موقف  إميل دوركايم: الشخص باعتباره تجلي وبناء اجتماعي:
   ينطلق إميل دوركايم في كتابه"التربية والسوسيولوجيا" من نفي أي وجود للشخص الذي حددته المقاربة الفلسفية كجوهر متفرد ومتعال ومنعزل عن الواقع الإجتماعي، فعلى مستوى الإنسان ككائن حي يوجد كائنين"الأول يتكون من مجموع التجارب الذاتية الخاصة ويسمى الفرد والثاني هو عبارة عن نسق من الأفكار والمعتقدات الدينية والممارسات الأخلاقية والعادات الوطنية والمهنية والآراء الجماعية ويسمى الكائن الإجتماعي الذي يتشكل وينشئ عن طريق التربية، فالشخص ليس معطى جاهز يبنى في نوع من العزلة الأنطولوجية، بل هو نتاج وتجل لنظام التربية والتأهيل والتنشئة الإجتماعية، إن الشخص في العلوم الإنسانية مع دوركايم هو تجل اجتماعي.بعبارة أخرى فحسب دوركايم  لا نولد أشخاصا ولا وجود للشخص كجوهر مفكر ومتعال ومستقل كما تصورته الفلسفة الديكارتية لأننا حسب دوركايم نولد فقط عبارة عن كائنات حية(صفحات بيضاء بتعبير جون لوك) وعن طريق التربية والتنشئة الإجتماعية التي تتدخل فيها مجموعة من المؤسسات الإجتماعية من قبيل -الأسرة والمدرسة والإعلام والشارع- والتي تزودنا بقواعد السلوك واللغة والأخلاق والعادات والتقاليد لكي نصير أشخاصا في المستقبل، إننا لانولد أشخاصا بل كائنات حية(بيولوجية) وعن طريق التربية نصير أشخاصا حسب دوركايم.


مفهوم الشخص من التحديدات الدلالية إلى الإشكاليات الفلسفية

§ الزاهيد مصطفى
  تقديم خاص لمفهوم الشخص: 
       
    غالبا ما يتم الخلط في تناول الشخص بين مفهومين متقاطعين ومتباينين في الآن نفسه: يتعلق الأمر بمفهوم الشخص ومفهوم الشخصية، فإذا كان الحقل الإبستمولوجي الذي يؤطر مفهوم الشخصية هو العلوم الإنسانية بمقارباتها المتعددة، الأنثربولوجية، والسيكولوجية، والسوسيولوجية، فإن مفهوم الشخص تحديدا يحيل على المقاربة الفلسفية وما تتضمنه من أطروحات مختلفة ومتنوعة.

    إن التفكير في مفهوم الشخص، هو في الأصل تفكير في الإنسان، وتحديدا في معنى الشرط الإنساني، بما يحمله من مفارقات: المفارقة الأولى، هي أن الشخص كائن إنساني، أي كائن ليس كباقي الكائنات الأخرى. فالشرط الإنساني يعني من جهة أن الشخص لا يمكن أن ينفلت من كونه كائنا حيا، لكنه يحاول باستمرار أن يفرض البعد الآخر لشرطه الإنساني بما هو إنسان تحكمه لا الحاجات فقط، بل الرغبات والأهواء من جهة ثانية. فالشخص إذن تعبير عن كون الإنسان غير مكتف بذاته ولا بتكرارها، لذا فهو غير مطمئن لوجوده، إذ يسعى باستمرار إلى إنكار حيوانيته، بحيث عمل ويعمل جاهدا على تأصيل بعد أخلاقي نابع ومؤدي في الآن نفسه إلى هذه الإرادة العاقلة.
    المفارقة الثانية، هي أن المقاربة الفلسفية للشخص على اختلاف أطروحاتها، تسعى إلى  التأكيد على ضرورة الحذر من اختزال الشخص في الإنسان وما ينتج عن ذلك من إغفال لامتدادات الهوية، والحذر أيضا من اختزاله في الانتماء الثقافي والاجتماعي وما يستتبع ذلك من انغلاق وتمركز حول الذات، بهذا المعنى دأب الفلاسفة على مقاربة الشخص باعتباره قادرا على التفلسف والتأمل والنقد، وخلق مسافة بينه وبين ذاته، بينه وبين العالم، بينه وبين عالم الناس، لأنه حامل لوعي تفكيري، لكن الشخص لا يستطيع بتفكيره إدراك كل شيء ولا يستطيع بوعيه التحكم في كل شيء: إنها مفارقة الشخص الناتجة عن اللامفكر فيه واللاوعي. هاهنا يتجلى الشخص ليس كموضوع، بل كخلق ذاتي وكتجربة معاشة، إنه يتجاوز ما يعرفه عن ذاته، وما يمكن أن نعرفه عنه. إنه خلق مستمر ونفي لما توجد عليه الذات. في كلمة، إنه رهان.

1. مفهوم الشخص /الهوية/ الشخصية :من الدلالة المفهومية إلى الإشكالية الفلسفية:

§    الشخص:
    في القاموس المحيط تحيل دلالة الشخص على الظهور والارتفاع ويطلق على كل جسم/إنساني يرى من بعيد.
    أما في المعجم الفلسفي لصليبا نجد أن الشخص في عرف القدماء هو الفرد، وفي كتاب النجاة لابن سيناء يطلق لفظ الشخص على الصورة الإنسانية والماهية الإنسانية التي يعتبرها طبيعة مشتركة بين جميع أشخاص النوع" والشخص عند المنطقيين هو الماهية المعروضة لتشخصنات وقد غلب إطلاقها بعد ذلك على الإنسان، أي على الموجود الذي يشعر بذاته، ويدرك أفعاله، ويسأل عنها، وهو بهذا المعنى مقابل للشيء العيني الخالي من الفعل والإختيار وقد فرق العلماء بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي:
·    الشخص الطبيعي: Personne Physique  هو جسم الإنسان من حيث هو مظهر لذاته الواعية، ومن حيث هو تعبير عن هذه الذات.
·    الشخص المعنوي:Personne Morale هو الفرد من حيث اتصافه بصفات تمكنه من المشاركة العقلية والوجدانية في العلاقات الإنسانية، ومن شرط الشخص القدرة على التمييز بين الحق والباطل وبن الخير والشر، وأن يكون قادرا على التقيد بالعوامل التي تجعل فعله معقولا في نظر الناس.
في موسوعة لالاند الفلسفية نجد عودة إلى جنيالوجية للمفهوم الذي تشكل منذ اليونان انطلاقا من المسرح، فالشخص Persona اسم يطلق على  القناع المسرحي الذي يرتديه الممثل لأداء دور معين على الخشبة، نجد لدى لالاند أيضا تمييز بين الشخص المعنوي والشخص الطبيعي، فالأول يتحدد بالوعي والفعل الأخلاقي الحر والمسؤول والثانييحيل على الجسد الإنساني لكن الأهم عند لالاند أن هذا الجسد الإنساني يكون بمثابة تجسيد معنوي لهذا الشخص وهو المعبر عن سمته، فكلمة شخص حتى حين نطلقها بمعنى يشير للجسد لا يمكن قولها على جسم الحيوان فهي خاصة بالانسان، إن كلمة شخص بالعودة إلى المعنى المتداول لها في العصر الوسيط هي لفظ يطلق على الكائن الإنساني عندما يستوفي الدرجة الدنيا من التمييز الأخلاقي بين الأفعال الصادرة عن وعيه وردود أفعاله الغريزية، إن مفهوم الشخص في الفلسفة يستعمل بالمعنى الأجل عن الإنسان لما يتصف به من بعد أخلاقي في علاقته بذاته وبالآخرين.
§    الهوية:
    يعني مفهوم الهوية ما تقتضيه الضرورة المنطقية لكي تكون هناك قضية ما صادقة أو كاذبة،  ويقتضي مبدأ الهوية مبدأ التناقض ومبدأ الثالث المرفوع، فمبدأ التناقض يعني أن الشيء لايمكنه أن يكون موجودا وغير موجود في نفس الآن، وأما مبدأ الثالث المرفوع فيعني القول أن القضيتين المتناقضتين لايمكن أن تكونا صادقتين معا  أو كاذبتين معا، ومن شروط الضرورة المنطقية التي يعبر عنها مبدأ الهوية:1-أن يكون المعنى المتصور محددا وثابثا، فلا يتغير بحال/2-أن يكون الحق حقا والباطل باطلا دائما والأبيض أبيضا والأخضر أخضرا ...وفي مختلف الأحوال، فلا يتغيران بتغير الزمان والمكان/3-أن يكون الوجود بالحقيقة هو عين ذاته فلا يتغير، ولا يختلط به غيره. وهذا لا يصدق إلا على الموجود المثالي الذي يتجه إليه العقل (يقصد المفاهيم والتصورات وليس الأشياء المحسوسة).إن هوية الشيء هي خصائصه الثابتة التي لا تتغير مهما تغيرت أعراض وصور هذا الشيء، فهوية الشيء هي ماهيته وجوهره وحقيقته الثابتة.
§    الشخصية:
    يشير  لفظ الشخصية المشتق من المصدر "شخص" في لغة التداول اليومية على حكم قيمة نحدد من خلاله مكانة وقيمة شخص ما بالنسبة للآخرين، ويكون أساس هذا الحكم هو الإستناد إلى معايير مادية تجد أساسها إما في الجانب الجسدي أو اللباس أو الوظيفة التي يشغلها فرد ما في المجتمع( محام/وكيل ملك/قاض/ أستاذ/شرطي...) كما قد نقول في لغة التداول " هذا شخصية مرموقة /مشهورة...) ويكون هذا الحكم مؤسس على البعد الرمزي للفرد وعلى إشعاعه الثقافي أو السياسي أو الرياضي...أما الدلالة المعجمية فنجد في روبير Robertولالاند lalandeومعجم larousseأن هناك اتفاق على أن للشخصية معنيين أساسيين: "معنى مجردا وعاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا أخلاقيا أو قانونيا مسؤولا" ومعنى محسوسا يكمن في ما يمثله الشخص من خاصيات أخلاقية سامية، يتميز بها عن مجرد الفرد البيولوجي وتشكل العنصر المنظم والثابت في سيرته وما هو عليه عادة مما يميزه عن غيره ليشكل الجانب الأصيل من أناه"، فإذا كان المعنى الأول، المجرد، يؤكد على أن الشخصية هي خاصية كل كائن بشري من حيث هو شخص مسؤول أخلاقيا وقانونيا، بقطع النظر عن مكانته الاجتماعية، فإن المعنى الثاني، المحسوس، يؤكد على طابع الخصوصية الذي يميز شخصية كل فرد بحسب ما ينفرد به كشخص إزاء الغير.
§    مفارقات :
    ما يمكن الخلوص إليه من هذه التحديدات هو أنه إذا كان مفهوم الشخص يحيل على الذات الواعية والحرة والأخلاقية والمسؤولة باعتبار هذه الأبعاد هي  ما يحدد هوية وماهية وجوهر الشخص فإن الشخصية تغدوا آنئذ هي المظهر الخارجي الذي يعبر عن كيان الشخص، بإيجاز إن الشخص هو جوهر داخلي في حين أن الشخصية هي نافدة هذا الجوهر على العالم والآخرين.
    من خلال تحديدنا لمختلف الدلالات التي تحيل عليها المفاهيم المرتبطة بالشخص يمكن أن نلاحظ :
ü الدلالة اللغوية للشخص تعطيه بعدا ماديا يرتبط بالظهور والبروز للعيان، وهنا نكون أمام تصور للشخص  يحصره في مستوى الجسم الشاخص(الظاهر والبارز) أمام العين المجردة.
ü في الفلسفة الإسلامية والمسيحية ينظر للشخص على أساس تيولوجي(ديني) فكلما كان الشخص أكثر امتثالا لتعاليم الدين الإسلامي أو في المسيحية (الدين المسيحي) كلما نظر إليه باعتباره نموذجا للشخص الذي يحتدى.
ü في الدلالة اللاتينية نلاحظ تحولا في المعنى الذي يشير إليه مفهوم الشخص فلم يعد مرتبطا بالجسم بل بالدور (الوظيفة ) الذي يؤديه على خشبة المسرح وعلى مسرح التاريخ والمجتمع.
ü في الدلالة الفلسفية يصبح شرط الوعي والحرية والتمييز الأخلاقي بين الخير واحترام القانون والبيئة (الشخص الايكولوجي) هو ما يعطي للشخص هويته وقيمته.
ü نلاحظ أن مفهوم الشخص يتداخل مع مفهوم آخر أساسي هو الشخصية، فإذا كان الشخص هو جوهر  مفكر وذات واعية وحرة ومستقلة وأخلاقية فإن الشخصية هي التعبير الخارجي عن هذا المضمون "الهووي/الجوهري" لأنها مجموع المميزات والصفات التي تميز هذا الشخص باعتباره "أنا" واعية ومفكرة وحرة ومستقلة وأخلاقية و حقوقية وإيكولوجية، ومن هنا تطرح صعوبة تحديد هوية الشخص: هل هي مجموع الصفات والمميزات الخارجية التي نجدها متغيرة من شخص لآخر أم هي الجوهر الداخلي الواعي الذي يصعب علينا إدراكه أو معرفته لكونه محجوبا علينا من طرف القناع(الشخصية) الذي يقدم به الشخص ذاته للعالم والآخرين؟
ü نلاحظ كذلك أن مفهوم الهوية الذي يحيل على التطابق: يضعنا أمام مفارقات عديدة فمن جهة يعتبر الشخص وحدة صورية ميزتها الفكر والوعي والفعل الأخلاقي الحر والمستقل عن أي إرادة خارجية ومن جهة نجد مجموعة من السلوكات التي يعبر فيها الشخص أحيانا بجسده  وأفعاله وسلوكاته هي ما يحدد مكانته وقيمته داخل المجتمع، فمن جهة يعتبر الفكر والوعي والحرية مفاهيم صورية مجردة في حين تعتبر الأفعال والسلوكات وقائع مادية ملموسة، فأين توجد هوية الشخص هل في عالمه الصوري الخالص البعيد عن باقي الذوات وهو عالمه الداخلي الذي يفكر فيه بمعزل عن الآخرين أم أن هويته مستمدة من جملة الأفعال والسلوكات  التي يعبر بها في الواقع المعيش والتي تكوّن على العموم شخصيته؟.
ü يتبين من خلال ذلك أيضا أن وحدة الشخص تفرض نوعا من العزلة الأنطولوجية(الوجودية) لكي يمارس الشخص قناعاته، لكن ضرورة "العيش بالمعية"مع الآخرين تفرض على هذا الشخص أن يغير ويكيف من تصوراته وسلوكاته مع ما يقبل به المجتمع وما يسمح به القانون، وفي هذا الصدد تصبح حرية الشخص واستقلاليته محط منازعة بين ما يرغب فيه ويريده الشخص وبين ما يتيحه ويسمح به المجتمع، ففي هذا السياق يصبح سؤال الحرية والضرورة مطلبا للفحص الفلسفي لكي نرى إلى أي حد يمكن للفرد أن يحقق حريته في ظل نسق من العلاقات الإجتماعية التي تمارس نوعا من الإكراه عليه؟ فإذا لم يكن هذا الشخص حرا ومستقلا بذاته فعليه الاستقالة من أي فعل أو التزام أخلاقي تجاه المجتمع والتاريخ أما إذا كان حرا فهذا يعني أن إمكانية الفعل والإلتزام متاحة وممكنة؟
    إنطلاقا من هذه المفارقات الفلسفية التي تضعنا أمامها الدلالات اللغوية واللاتينية والفلسفية لكل من مفهوم الشخص /الهوية/الشخصية يمكننا صياغة الإشكاليات الفلسفية المرتبطة بمفهوم الشخص:


§    الإشكالية الفلسفية لمفهوم الشخص:
    ما الشخص؟ وما هويته الشخصية ؟ هل يستمدها من كونه  جسم وسلوك  وفعل ودور يقوم به في الحياة؟ أم هويته الشخصية هي  جوهر و وعي وتفكير وحرية واستقلالية عن الآخرين؟بعبارة أدق ما الواقعة التي تسمح للشخص أن يظل هو نفسه رغم التغييرات التي قد تطاله خلال مسيرته الحياتية؟ ومن أين يستمد الشخص قيمته؟ هل من مطابقته وانغلاقه واستقلاله عن العالم؟ أم من خلال انفتاحه والتزامه الأخلاقي الدائم تجاه العالم والآخرين؟وهل الشخص حر في سلوكاته وأفعاله وأفكاره أم مجبر بحتميات (نفسية واجتماعية وثقافية )تحدد وتقيد فعله والتزامه تجاه المجتمع وحركية التاريخ؟.


الثلاثاء، 31 مايو 2016

الوضع البشري والمعرفة والسياسة والأخلاق موضوع ندوة في ثانوية الخوارزمي التأهيلية بسوق السبت

أعد التقرير:الزاهيد مصطفى
نظم الأستاذ الحبيب الكوطي أستاذ اللغة العربية بثانوية الخوارزمي التأهيلية ندوة حول مقرر الفلسفة بالباكالوريا استدعى إليه كل من الأستاذ: حسن تزوضى والزاهيد مصطفى وعبد الحميد لخميس وهشام التاغيتي وعبد الإله الحلوي من أجل تقديم خرائط طريق  توضح للتلاميذ المقبلين على امتحانات الباكالوريا في مادة الفلسفة الوحدة الموضوعية بين موضوعات المقرر، وبعد كلمة ترحيبية لمدير المؤسسة  السيد موحى سابيك والتي شكر فيها أساتذة الفلسفة والأستاذ المنظم، تناول الكلمة في البداية الأستاذ حسن تزوضى
الذي رحب بالتلاميذ الحاضرين وشكر السادة أساتذة الفلسفة على استجابتهم الفورية لدعوة المشاركة في هذا اللقاء الفكري، كما شكر الأستاذ السيد الحبيب الكوطي صاحب الفكرة والمبادرة، وخصص موضوع مداخلته لمفهوم الوضع البشري، وهنا أكد الأستاذ حسن تزوضى  على أن هذا الموضوع ظل أحد المواضيع الأساسية التي اهتمت بها الفلسفة مند بزوغها الأول، فالقارئ الجيد لتاريخ الفلسفة سيلاحظ لا محالة، أن الفلسفة في مجملها تتحرك ضمن ثلاثة مباحث كبرى:الوجود، المعرفة والأخلاق، مبحث الوجود يهتم بتلك القضايا والإشكالات ذات العلاقة بالوجود الإنساني، كقضية الأصل والهوية والمصير، أما المبحث الثاني فهو يثير كل الإشكال ويخوض في كل القضايا ذات العلاقة بالمعرفة الإنسانية، كأصل المعرفة ومناهجها وأسسها وحدودها، أما المبحث الأخير (الأخلاق) فهو يهتم بالبعد الأخلاقي في الإنسان ويخوض في قضايا الخير والشر، الرذيلة والفضيلة، أصل القيم وأخلاق الواجب وغيرها.إن الفلسفة إذن اهتمام بالإنسان على اعتبار أن القاسم المشترك بين كل هذه المباحث والقضايا هو الإنسان، فالفلسفة تفكير في الإنسان، في كل ما قاله الفلاسفة منذ اليونان إلى حدود اللحظة لا يخرج عن التفكير في الوجود الإنساني في مختلف أبعاده.بهذا المعنى الوضع البشري كقضية وكمفهوم فلسفي، يندرج بشكل عام ضمن مبحث الوجود ويهتم بالتفكير في محددات وخصائص الوجود الإنساني، وما يجعله وجودا متميزا ومختلفا عن وجود باقي الكائنات الأخرى، وكأن بالوضع البشري يريد أن يجب على سؤال. ما الذي يجعل الوجود البشري وجودا متميزا ومختلفا؟ الذي يميز الوجود الإنساني ويجعله مختلفا هو كون هذا الوجود يتحدد من خلال ثلاثة أبعاد، البعد الذاتي والبعد ألعلائقي والبعد التاريخي، على اعتبار أن الكائن البشري كائن يتميز بقدرته على وعي ذاته ووعي غيره وتاريخه، هذه الخصائص هي مايميز الوجود الإنساني.وفي الأخير قدم الأستاذ للتلاميذ الحاضرين بعد الخطاطات التي من الممكن أن تساعدهم على تنظيم المفاهيم والقضايا المأثتة لموضوع الوضع البشري، مؤكدا على أن الفلسفة ليست هي الحفظ والاستظهار وإنما هي إبداع وتعبير عن الذات، إنها تجربة حياة بامتياز.

أما مجزوءة المعرفة فقد  قاربها الأستاذ عبد الحميد لخميس والذي وعبر عن شكره وامتنانه لكل من بادر إلى عقد هذه الندوة وتناول في مداخلته مايلي:
1-   التأكيد على التكامل بين مكونات المقرر المدرسي وتمحورها حول التفكير في قضايا الإنسان من زوايا متعددة ومتكاملة (الوجود، المعرفة، القيم) وهو ما سماه بالوحدة العضوية
2-   التنبيه إلى أن الفلسفة تخاطب العقل والفهم وليس الذاكرة، إنها لاتنظم وفق منطق التذكر والاستظهار والحفظ
وفي الشق الثاني من المداخلة خصصه الأستاذ عبد الحميد لخميس إلى  منهجية الإنشاء الفلسفي وسعى إلى تطبيقها على مجزوءة المعرفة وظهور إشكالية المعرفة وما تطرحه من قضايا تتصل بعلاقة الذات بالموضوع والمنهج وكذلك المعايير والنماذج والمفارقات التي تثيرها مصادر المعرفة (العقل،التجربة)، وفي هذا السياق دعا التلاميذ إلى ضرورة استحضار القيم الفلسفية أثناء المناقشة والنقد والفحص والإحراج والتشكيك والمساءلة...الخ وأن أطروحات الفلاسفة وتصوراتهم لا نستدعيها في الدرس الفلسفي كأسمال بالية أو مومياءات جامدة وميتة، وإنما نستحضرها كتصورات ما تزال حية يفرضها ضغط إشكالات الحاضر، وهذا ما يعطي للفلسفة مشروعية للوجود والاستمرار والحياة.
أما موضوعة السياسة فقد قاربها الأستاذ مصطفى الزاهيدوالذي عمد في البداية  إلى تحديد دلالة السياسي والسياسة في الاشتقاق اللغوي والفلسفي والمعجمي، مبينا التلازم  بين مفهوم السياسة والحيلة والترويض لدى البابليين وفي  الأسطورة اليونانية وخاصة حصان طروادة، كما بين الترابط الوثيق بين مجزوءة السياسة بمختلف مفاهيمها(الدولة والعنف والحق والعدالة)، موجها التلاميذ إلى ضرورة النظر إلى المجزوءات على أساس وحدة موضوعية تمتح مشرعيتها من تاريخ الفلسفة، فالموضوعات ليست سوى تصنيفات بيداغوجية، أما المضمون فهو تاريخ الفلسفة بمباحثه الكبرى:
·       فالوضع البشري يحيل على مبحث الانطولوجيا
·       والمعرفة تحيل على مبحث الابستمولوجيا:
·       الأخلاق تحيل على مبحث الأكسيولوجيا/القيم
كما ميز الأستاذ بين مفهوم الفلسفة السياسية التي تعنى بالتنظيم والتدبير للوجود المشترك وبين الفلسفة الاجتماعية التي تعنى بالعدالة وسوء التوزيع، واستنادا إلى التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة بسلك التعليم الثانوي التأهيلي بين الأستاذ مصطفى الزاهيد أنه في الشق  المتعلق بالإطار النظري تقول التوجيهات: بأن السنة الثانية باكالوريا هي  مرحلة لممارسة التفكير الفلسفي المستقل نسبيا انطلاقا من مفاهيم وقضايا فلسفية وذلك وفق اللحظات الثلاثة الكبرى والمتمثلة في :
1-   المفهمة:أن يتمكن التلميذ من فهم القضايا وإدراجها في سياقاتها التاريخية
2-   الأشكلة: أن يكون قادرا على الوعي بالإشكالات التي طرحت بصدد نفس القضايا أو يتمكن هو ذاته من أشكلة هذه القضايا أي صياغاتها في مفارقات وأسئلة فلسفية واضحة
3-   الحجاج:أن يكون قادرا على المحاججة عليها وتبريرها والإستدلال عليها مع ما يتطلبه ذلك من توظيف واستثمار للكفايات والتعلمات السابقة في التفكير الفلسفي والممارسة الفلسفية الخاصة بالتلميذ
1.    السؤال الذي يجب طرحه حسب الأستاذ مصطفى الزاهيد :
في ماذا نفكر في مقرر الثانية باكالوريا؟ هل نفكر في قضية واحدة أم في قضايا فلسفية متعددة؟ هل ما يدعونا المقرر للتفكير فيه من قضايا فلسفية على امتداد المجزوءات الأربعة هي قضايا فلسفية  معزولة عن بعضها البعض أم أننا أمام قضية فلسفية مركزية يقترح علينا المقرر التفكير فيها انطلاقا  من جميع جوانبها المتعددة؟
2.    الافتراض الذي قدمه الأستاذ الزاهيد مصطفى :
سؤال مقرر الباكالوريا لمادة الفلسفة  هو سؤال تاريخ الفلسفة ويمكن صياغته في:كيف يمكننا أن نكون سعداء؟ وكيف يمكننا أن نحصل السعادة في هذا العالم؟
 السؤال  الذي تعالجه مجزوءات السنة الثانية باكالوريا هو في العمق سؤال  مطروح على مر تاريخ الفلسفة، وإذا أردنا أن ندقق يمكننا القول أننا في مقرر الباكالوريا بصدد دروس في تاريخ فلسفة الوعي أي الفلسفة المتمركزة  حول العقل /اللوغوس/الواجب /الإنسان/الشعور /التجربة / أي تاريخ الميتافيزيقا.
في ذات السياق سعى  الأستاذ هشام التاغيتيفي مداخلته حول الأخلاق إلى التمييز بين الأخلاق الغائية والأخلاق الدينطولوجية، أي بين الأخلاق التي تجد سندها في ما هو خارجي والأخلاق التي تجد سندها في ماهو ذاتي، مبينا أن الأخلاق الغائية تتأسس على الفضيلة والأخلاق الدينطولوجية على الواجب الأخلاقي، لذلك أكد على ضرورة التميز بين الأخلاق والإيتيقا ، فالأخلاق moral تعني مجموع قواعد الفعل والقيم التي تشتغل كمعايير داخل مجتمع معين ما. كما تعني أيضا نظرية الغايات المرتبطة بالفعل الإنساني.
وقد ختم  الأستاذ عبد الإله الحلوي مؤكدا  على أن الدرس الفلسفي درس حيوي ومنفتح على قضايا كبرى مرتبطة أساسا بالوجود الإنساني والوجود الطبيعي، وما يرتبط بهما من إشكالات متداخلة وهذا ما يدرسه التلاميذ على امتداد السنة الدراسية ولعل المجزوءات الأربعة هي المجالات الكبرى التي اهتمت بها الفلسفة منذ نشأتها لذلك فالإنشاء الفلسفي ماهو إلا استثمار لتلك المكتسبات المضامينية والمنهجية، وإعادة تشكيلها في موضوع مترابط العناصر بانسجام مع عناصر الموضوع المعالج في جانبه الإشكالي والمفاهيمي، ومن خلاله يجب أن يسعى التلميذ إلى توظيف ما تعلمه بروح نقدية تعكس القيم الفلسفية المبنية على مواجهة الدوغما والفكر الواحد والاعتقاد الراسخ في الحقيقية الواحدة وروح المساءلة.

وبعد مداخلات الأساتذة أعطيت الفرصة للتلاميذ والتلميذات وقد اتجهت مداخلاتهم إلى التساؤل حول الصعوبات المنهجية التي يواجهونها في الكتابة الفلسفية  وكذلك طول المقرر، ولم يفتهم كذلك في أشرطة مسجلة بحسهم النقدي التأكيد على ضرورة أن ترتبط الفلسفة بالأخلاق وبالقيم، محتجين على تحويل هذه المادة ومواد أخرى وتحويل المدرسة العمومية عموما إلى مجال للاسترزاق في الساعات الإضافية لأن ذلك يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق ويحول التعليم من وظيفته التربوية إلى تجارة، وقد طلب التلاميذ من الأساتذة تقديم نماذج من الكتابات الفلسفية التي يجب أن يقتدون بها، وهي من بين مداخلات التلميذ رشيد بوصيفي وآخرون و الذي قال بأن تعليم الكتابة يحتاج إلى نماذج، وقد بين الأساتذة في التعقيب على أن النماذج لايمكن أن تكون جاهزة لكنهم مستعدون لتقديم دعم مكثف خلال ما تبقى من السنة للتلاميذ.






الفلسفة والسينما والتربية

الفلسفة والسينما والتربية
هل بإمكان المدرسين تغيير العالم أو لنقل كسر القواعد المسلم بها و توجيه المجتمع نحو مثل أسمى؟

يحكي الفيلمLe Sourire de Mona Lisa" قصة كاثرين أستاذة لتاريخ الفن بجامعة ويسللي، كانت في سنة 1949 تدرس العديد من الزيجات اللواتي يحصرن غايتهن في الحصول على زوج، لم يكن مطمح كاثرين مناهضة هذا الخيار بقدر ما كان يهدف إلى إظهار أن الحياة أكبر من اختزالها في هدف بيولوجي محض يعيد إنتاج المجتمع، شنت جماعات البحث العلمي في الجامعة من اساتذة وإداريين حروبا من الإشاعات على كاترين، مع الوقت ورغم صرامتها ازداد طلبة كاترين التي ستتعرض للتوقيف من عملها بسبب علاقتها الشخصية من طالباتها وتأثيرهن الحقيقي في تصوراتهم وقيمهم ونظرتهم للعالم، لم يدم التوقيف كثيرا حيث عرف الموسم الجامعي تسجيل العديد من الطالبات في شعبة تاريخ الفن وهو ما اضطر رئيسة الجامعة لمراسلة كاترين قائلة:
"العزيزة كاثرين نريد عودتك لتكون من فريق البحث وهيئة التدريس بجامعة ويسللي التي لديها تقاليدها العريقة لكن شريطة، أن لا يتجاوز درسك إلى حدود تقديم أمثلة أو نماذج حياتية آو أراء خاصة في قضايا خاصة، كما نطالبك بتقديم دروسك بشكل مسبق لتخضع لرقابة الجامعة والموافقة عليها "
كان رد كاترين التي بدأ طلبتها بالتكاثر بعد تفكير ملي لكي تظل منسجمة مع خياراتها، اسمحوا لي لا يمكنني في النهاية أن أنتمي لتقليد يضع مجموعة من القواعد من وجهة نظري تؤخر تدريس الفن أكثر مما تفيده، إن غاية التدريس هو في النهاية كسر للقواعد المسلم بها وإعطاء الفرصة للطلبة لكي يؤسسوا قواعد جديدة لذلك لا يمكنني العودة للتدريس بشروط لأنني سأكون غير منسجمة مع مبادئي ومواقفي وشرط التدريس هو الحرية.
في حفل التخرج وأثناء مغادرة كاترين لجامعة ويسللي في اتجاه أوروبا باحثة عن فرصة أخرى للتدريس وعن شروط أخرى خاصة مابعد الحربين لحق بها العديد من طالباتها وكلهن يبكين، لم تبدي كاترين ضعفها لكنها كانت تحمل في عيونها دموعا تعبر عن ارتياح بأن الأفكار ستظل مستمرة وأن الهدف تحقق.

الفيلم تم عرضه سنة 2003 من إخراج ميك ناويل/ بطولة الجميلة جوليا روبرت وكريستين دنيست