الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

العقلانية العلمية Rationalité scientifiques

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم خاص للمحور
يحيل مفهوم العقلانية العلمية على شكل جديد من العقلانية تطور في ظل الأزمات التي مست العلوم وأسسها الكلاسيكية الحديثة، فرغم ارتباط ظهور العقل وميلاده بالشك الديكارتي غير أن تقدم العلوم وتعرضها لأزمات داخلية خلال القرن التاسع عشر أديا إلى نشوء عقلانية جديدة مرنة ومخالفة لتحجر العقلانية الكلاسيكية، إذ لم يعد العقل جوهرا ثابتا أو بنية قبلية متعالية ومطلقة بل أصبح ينظر إليه بوصفه أداة لإنتاج المعرفة تنمو وتتطور من خلال عملية إنتاج المعرفة نفسها، بحيث ينفتح العقل ويوسع تصوراته ومبادئه لاستيعاب وقائع جديدة لم يكن يعمل عليها من قبل، مثل النقائض الرياضية واللاحتمية الفزيائية
والصدفة والاحتمالات، وقد استخلص باشلار نتائج هذا التطور بالنسبة للعقلانية العلمية حين قال "ينبغي إعادة العقل إلى الأزمة، وإثبات أن وظيفة العقل هي إثارة الأزمات وأن عقل المناظرة"السجالي" الذي اختصه كانط بمنزله ثانوية، لايمكن أن يمضي في ترك العقل المعماري ينعم في تأملاته"، لقد كانت العقلانية  العلمية هي ثورة على العقلانية الدينية للقرون الوسطى، وقد قيست قيمتها بالنتائج التقنية التي أدت إلى تثوير الواقع والتأثير فيه  وهو ما يدفعنا للتساؤل:حول : ما هي خصائص العقلانية العلمية؟ وما هي أسسها و مرتكزاتها؟ هل هي عقلانية نسبية أم عقلانية مطلقة؟هل الإنتماء إلى العقلانية العلمية معناه الإيمان بأن التجريب العلمي هو المصدر الوحيد لكل معرفة علمية أم معناه بأن العقل هو مصدر هذه المعرفة؟ماهو دور كل من العقل والتجربة في إنتاج المعرفة العلمية؟وما الفرق بين العقلانية الفلسفية والعقلانية العلمية؟.
ارتبط مفهوم العقلانية بالشك الديكارتي  والنقد الكانطي اللذان يعتبران من مؤسسي الإتجاه العقلاني الذي نصنف ضمنه كل من مالبرانش واسبينوزا وليبنز، وما يجمع هؤلاء هو إيمانهم المطلق بالعقل واعتبارهم إياه المصدر الوحيد لكل معرفة علمية حقيقية، فديكارت عاش مرحلة عرفت إنهيارا تاما للعلم الأرسطي الذي كان يستند بالأساس على معطيات الحواس وعلى الثقة فيما تقدمه من انطباعات وأحاسيس، هذا الإنهيار الذي بدأ مع كوبرنيك وتيكوبراهي.فقد تصور كل من كانط وديكارت العقل باعتباره ثابتا منغلقا يقصي من ذاته ومن الواقع كل ماهو ليس عقلي، وكل ما ليس يقينيا، لقد تصوروا العقل باعتباره جوهرا أو بنية متعالية منتجة للمعرفة، وانطلاقا من مجموعة من المبادئ التي اعتبرت خالدة ومتأصلة فيه وهي: /مبدأ الهوية  ومبدأ عدم التناقض ومبدأ الثالث المرفوع ومبدأ السبب الكافي، فمع أن الواقع يبدوا متغيرا ومتحولا فإن العقل يعمل بمبدأ الهوية الذي يقضي أن الشيء يكون هو هو دائما مطابقا لذاته، فالطاولة هي طاولة وليست جملا، والعدد الفردي فردي وليس زوجيا و أ هي أ وليس ب والوجود هو وجود وليس عدما، كما يعمل العقل بمبدأ عدم التناقض الذي يقضي بأن النقيضين لا يجتمعان وأن القضية ونقيضها لا يكونان معا صادقتين، بل إن كانت إحداهما صادقة كانت الأخرى كاذبة بالضرورة ومن هنا ينبثق مبدأ الثالث المرفوع، وهو يعني أنه لاوسط بين الصدق والكذب فإما أن تكون القضية صادقة أو كاذبة، ولا يمكن أن تكون لا صادقة ولا كاذبة في آن واحد ومن جهة واحدة، ويقتضي مبدأ السبب الكافي الذي صاغه ليبنز بأنه لا يمكن لواقعة ن تكون موجودة ولاي منطوق ان يكون صادقا دون سبب كاف يبرر لماذا يكونان على هذا السبب وليس على نحو اخر، وعلى هذا الاساس
 أن تكون موجودة ولا لأي منطوق أن يكون صادقا دون سبب كاف يبرر لماذا يكونان على هذا النحو وليس على نحو آخر" وعلى هذا الأساس تصورت العقلانية الحديثة مصدر المعرفة واختزلته في العقل باعتباره الأداة و الجوهر القادر على إيصالنا لليقين والحقيقة، أما التجربة والحواس فهي خدّاعة ولا يمكن الوثوق بها لأنها سبق وخدعتنا حينما بينت لنا أن الشمس هي التي تدور حول الأرض بينما الحقيقة عكس ذلك، إن العقل عند ديكارت وعند العقلانيين يكفي نفسه بنفسه ولا يحتاج لأي شيء خارجي عنه لكي ينتج العلم ويصل إلى اليقين الخالص، فهو مزود بشكل قبلي بمبادئ ومعارف  سماها الأفكار الفطرية أو المقولات القبلية وهي كافية للوصول إلى حقيقة كل شيء.
انتقال إلى المناقشة : مواقف تختلف
في مقابل هذه العقلانية العلمية التي تجعل من العقل المصدر الوحيد والأوحد لكل معرفة يقينية ممكنة، تبلور في أوروبا وخاصة في إنجلترا عقلانية علمية أخرى تجعل من التجربة المصدر الوحيد والأوحد لكل معرفة، ومن أبرز ممثليها جون لوك ودافيد هيوم، فعلى عكس ديكارت وأتباعه، اعتبر جون لوكالعقل الإنساني بمثابة صفحة بيضاء، لا توجد فيه أية أفكار أو مفاهيم قبل احتكاكه بالتجربة، فأصل المعرفة العلمية وأداتها الوحيدة في رأي جون لوك هي الحواس ولاشيء يوجد في العقل إلا وسبق وجوده في الحس، ومن أجل توضيح هذا الأمر قام لوك بتشريح العقل الإنساني وبفحص دقيق للأفكار القائمة فيه، إن كل فكرة توجد في العقل إلا وكان مصدرها الأول في الحس، ومن هنا فلا وجود للأفكار الفطرية التي تحدث عنها ديكارت، وأن الأفكار الفطرية ليست سوى أحكام مسبقة تولدت لدينا من زمن ماض بفعل مصدر ما، لكن لطول ألفتنا لها ننسى مصدرها فنعتقد أنها فطرية، والمثال الذي يقدمه جون لوك هو فكرة الله التي اعتبرها ديكارت فطرية قبلية، لكن جون لوك سيرد عليه بالقول: لو كانت فكرة الله فطرية لكانت كونية أي توجد عند جميع أفراد الإنسانية بينما هي ليست كذلك، إذ سيلاحظ أن هناك شعوب لا تتوفر على هذه الفكرة(الله) ومن ثم فهذه الفكرة ليست قبلية ولا فطرية بل هي حكم مسبق، وبالتالي فمصدر المعرفة العلمية واليقينية ليس العقل(النظرية) بل الحواس(التجربة).
توسيع المناقشة بالإنفتاح على الإبستمولوجيا المعاصرة
لكن تطور العلوم وتعرضها لأزمات داخلية خلال القرن التاسع عشر أدى إلى ظهور عقلانية علمية جديدة تختلف عن العقلانية الفلسفية التي جسدها ديكارت ومناقضيه من التجريبيين(جون لوك/هيوم) إذ لم يعد العقل المصدر الوحيد للمعرفة العلمية أو التجربة  التلقائية والعفوية، بل حتى التجريب باعتباره مسائلة منهجية للظواهر المدروسة لم يعد كافيا لإنتاج معرفة علمية ويقينية، وفي هذا الصدد نجد هانز رايشنباخ الذي ميز بين العقلانية العلمية والعقلانية الفلسفية، فرغم أنهما يؤكدان على دور العقل، فهما لا يتفقان حول معنى العقل ذاته، فالعقل العلمي عقل رياضي وحسابي يستخدم آلياته الخاصة للوصول إلى اليقين، فالعقلانية العلمية عقلانية ملاحظة ومجربة، لكنها في الرياضيات عقلانية متعالية على الملاحظة والتجربة، حيث تستخدم آليات خاصة في إثبات حقيقة علمية ما، وهنا تصبح التجربة تابعة للعقل(النظرية)، فكلما وقع خلل في نتائجها إلا ووجب على العلماء الإتجاه نحو تعديل التجربة وإعادة النظر في الواقع العلمي، وفي هذا الصدد يقول هانز رايشنباخفي كتابه "نشأة الفلسفة العلمية"عندما يتخلى الفيلسوف عن الملاحظة التجريبية بوصفها مصدرا للحقيقة، لا تعود بينه وبين النزعة الصوفية إلا خطوة قصيرة".إن التجربة هي المنطلق لأي معرفة علمية لكن الرياضيات وحدها قادرة على إنتاج نوع خاص من الحقيقة دون الحاجة إلى الواقع/التجربة.
إذا كان أحد أقطاب الوضعية المنطقية التي حاولت منطقة الفلسفة وتخليصها من الميتافزيقا، فإن ألبرت اينشتاين في كتابه "كيف أرى العالم" يعطي القيمة القصوى للعقل على حساب التجربة، فالتحولات الجذرية التي طالت الفيزياء في بداية القرن العشرين أدى إلى ميلاد عقلانية جديدة تؤمن أن حل مشكلات الفيزياء النظرية يقتضي الاعتماد على العقل الرياضي المحض والعمل على إرغام التجربة على موافقته، لذلك تم استبدال المنهج التجريبي بالمنهج الأكسيومي والذي يقوم على الإنسجام المنطقي الداخلي للنظرية لا على التطابق مع التجربة، فلا يمكن القول حسب إنشتاين أن النظرية العلمية بشكل عام والفيزيائية بشكل خاص تنتج المعرفة العلمية بالإستناد على التجربة بشكل صرف، بل يدخل في تكون هذه المعرفة التي تنتجها العقلانية العلمية الجانب الصوري الخالص، فالتطور الذي عرفته الرياضيات أدى إلى تطور في مفهوم العقل ذاته، فلم تعد غاية العلم هي تجميع الظواهر المتجانسة وتفسيرها وإنما أصبح هدفه هو ترجمة لغة التجربة إلى لغة رياضية، فتتحول الوقائع التجريبية إلى أرقام ورموز بأبسط ما يمكن من المبادئ والمفاهيم العقلية، لكن هذا لا يعني أن العلم أصبح عقليا تأمليا خالصا، ولا النظرية أصبحت صورة مجردة كلية ومنفصلة عن الواقع، بل هي على العكس من ذلك تعكس الواقع الذي تدرسه وتحدد العلاقات القائمة بين ظواهره وتصوغها صياغة رمزية مجردة، وفي هذا الصدد يقول إنشتاين"إنني على يقين أن البناء الرياضي الخالص،يمكننا من اكتشاف المفاهيم والقوانين التي تسمح بفهم ظواهر الطبيعة.ويمكن للتجربة،طبعا أن توجهنا في اختيار المفاهيم الرياضية التي توظفها، لكن التجربة ليست هي المنبع الذي تصدر عنه، إن المبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في التجربة بل في العقل الرياضي".
التركيب
إذا كانت العقلانية الكلاسيكية منذ أرسطو إلى ديكارت  تؤكد على دور العقل في تأسيس العلم نظرا لكونه يتصف بالشمولية و الإطلاقية ويحمل مبادئ تأسيس هذه المعرفة في ذاته فإن الإتجاه التجريبي أنكر دور العقل في إنتاج المعرفة العلمية وأعطى القيمة للتجربة والحواس في بناء هذه المعرفة وهو ما انتقدته فلسفة العلم المعاصرة والعقلانية النقدية مع كانط، فرايشنباخ مثلا مايز بين العقلانية الفلسفية والعقلانية العلمية التي تنظر للعقل باعتباره أداة مرنة ومنفتحة على التجربة بينما اينشتاين حافظ على دور التجربة في بناء المعرفة العلمية لكنه أعطى القيمة القصوى للإبداع والعقل في بناء المعرفة العلمية واليقينية، وفي هذا الصدد سيعمل الإبستمولوجي المعاصر غاستون باشلار على توجيه نقده لكل هذه الإتجاهات مؤكدا على أن المعرفة العلمية هي نتاج لحوار دائم ومستمر وجدلي بين العقل والتجربة/ بين النظرية والواقع، فالمعرفة العلمية هي إنتاج لذات عارفة SUJETتضع بينها وبين موضوع المعرفة L’objet مسافة تتخلص فيها من كل الأحكام المسبقة التي ستشكل عائقا إبستمولوجيا (معرفيا) un obstacle épistémologique فالعقلانية العلمية ليست عقلانية فلسفية تأملية، بل هي عقلانية مرنة تشتغل انطلاقا من نماذج نظرية تبنيها بشكل دقيق جدا من أجل إخضاع موضوع معرفتها لتجريب العلمي، فالثورات العلمية المعاصرة ممثلة في قيام الهندسات اللاأقليدية وميكانيكا الكوانتا جعلت العلم يراجع مبادئه وهو ما فرض علينا حسب باشلار أن نعيد مراجعة تصورنا للعقل وللنظرية ذاتها، فلم يعد العقل كما تصورته الفلسفات المثالية ثابتا ومنغلقا بل أصبح عقلا منفتحا وتاريخيا يتطور بدوره من خلال المعارف التي ينتجها وفي هذا الصدد يقول باشلار: " العقل لا ينتج العلم فحسب بل يتعلم من العلم أيضا"، كما غيرت هذه التحولات من تصورنا للتجربة وللواقع فلم تعد التجربة معطاة، بل مصطنعة خاصة في الميكروفزياء، فالفيلسوف المثالي أو التقليدي كان يقصد الواقع التلقائي والمعطى لكن الواقع في العلم المعاصر هو واقع يتدخل فيه المنهج الذي يضعه العالم نفسه، إنه واقع مبنى.
وهكذا يبدوا تحليلنا لمفهوم العقلانية العلمية من أجل الكشف عن بنيتها قد وضعنا أمام مجموعة من التقابلات، فإذا كانت الفلسفة المثالية قد جعلت العقل مصدرا للمعرفة  اليقينية، فإن التجريبية أعطت القيمة للتجربة وللحواس، لكن العلم المعاصر غير من نظرتنا للعقل وللتجربة فلم يعد العقل كاملا وفطريا مزودا بمبادئ توصلنا لليقين ونتساوى في امتلاكه، كما لم تعد التجربة هي المصدر الوحيد للمعرفة العلمية كما رأينا مع رايشنباخ واينشتاين لكن هذا لا يعني إقصائها التام، فقد أعطيت القيمة للإبداع والخيال في إنتاج المعرفة العلمية التي لن تكون في نهاية المطاف مع باشلار سوى حصيلة حوار مستمر بين النظرية والتجربة /العقل والواقع. وفي هذا الصدد يقول "لا يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول في حوار فلسفي بين العالم العقلاني والعالم التجريبي"، لكن السؤال الأهم كيف نتأكد من صدق نظرية ما؟ وما المعيار الذي نتمكن من خلاله من الحكم على أن نظرية ما نظرية علمية وتستحق هذا التصنيف؟.


النظرية / التجربة والتجريب

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم عام
المحور الأول :التجربة والتجريبl’expérience et l’expérimentation

يتفق العديد من فلاسفة العلم والعلماء على القول بأن نظرية ما لا تصبح علمية إلا إذا أثبتتها التجربة، فالاتفاق مع التجربة كما يقول بيير دوهايمP’DUHEM  يشكل بالنسبة للنظرية المعيار الوحيد لحقيقتها، لكن ما المقصود بالتجربة وفق هذا القول؟هل المقصود التجربة العفوية والتلقائية التي على العالم ملاحظتها بدقة والإصغاء إليها بأمانة وبدون أية أطر نظرية، أم أن المقصود بها هو التجربة المصطنعة التي تتم في ظروف ووفق خطوات محددة مسبقا بالنظرية نفسها التي نسعى للتأكد من صدقها؟هل العالم حينما يقوم بالتجربة يكون بمثابة الآلة التي تسجل بأمانة ما تراه وتسمعه في الواقع  في استقلال عن الذاتية أم معناه أن العالم هو الذي يشيد ويبني نموذجا تجريبيا وفق خطوات يحددها هو بنفسه؟بعبارة أوجز هل ما يؤكد علمية نظرية ما هو التجربة باعتبارها إنصات وإصغاء وملاحظة للواقع أم هو التجريب باعتباره مساءلة واستنطاق منهجي لهذا الواقع؟ (ارجع للدلالات حتى تميز جيدا بين التجربة والتجريب والنظرية).

إن الفكر الفلسفي  والعلمي القديم لم يكن يعرف إلا شكلا واحدا من التجربة وهي التجربة الحسية الخام المتمثلة في مجموع معطيات العالم التي تصدم حواس الإنسان وتولّد لديه انطباعات مختلفة. وقد انقسم هؤلاء الفلاسفة بخصوص أهمية التجربة في بناء المعرفة وفهم حقيقة العالم  إلى اتجاهين أحدهما يمثله أفلاطون والآخر يمثله أرسطو.
فبالنسبة لأفلاطون ليس للتجربة الحسية أي دور أو أهمية في بناء المعرفة العلمية الحقيقية واليقينية حول موجودات العالم، بل على العكس من ذلك المعرفة الحسية تمثل عائقا على الفيلسوف-العالم التخلص منه إن هو أراد بلوغ الحقيقة واليقين وتجاوز الآراء والظنونDOXA،فالتجربة الحسية كما يصورها أفلاطون في أسطورة الكهف  هي بمثابة قيود وأغلال تعيق وتحول دون إدراك المعقولات الثابتة، والحقائق المفارقة الموجودة في عالم المثل الذي توجد فيه المعرفة اليقينية و الثابتة EIDOS  فما يوجد في التجربة الحسية والعالم المحسوس مجرد نسخ وظنون متغيرة، لذلك فبلوغ المعرفة اليقينية وبلوغ عالم المثل، لا يتطلب وساطة التجربة الحسية والحواس بل يتطلب التحرر منها.
عكس هذا التصور يدافع أرسطو على دور التجربة في معرفة العالم ويعتبر أنها تمثل نقطة انطلاق لا يمكن لأي معرفة علمية أن تتجاوزها، فحقيقة الموجودات المادية وإن كانت لا تكمن في المظاهر والأعراض التي ندركها بواسطة حواسنا، فهي لا توجد منفصلة عنها ومفارقة لها، وإنما كامنة خلفها ومحايثة لها، وتبعا لذلك فإن استقراء وملاحظة أعراض الموجودات يمثل في رأي أرسطو الخطوة الأولى والضرورية من أجل بناء أي معرفة حقيقة حول العالم وحول الموجودات التي يحتويها ويتألف منها، فقبل الانتقال إلى مرحلة التفسير أي مرحلة البحث عن العلل الأسباب المحددة لأي ظاهرة، يجب المرور بالضرورة بمرحلة الوصف، أي مرحلة الملاحظة الدقيقة لعناصرها و أجزائها وللعلاقات القائمة فيما بينها، وهو ما طبقه أرسطو نفسه في كل أبحاثه الطبيعية، ففي بحثه حول الحركة ومختلف العناصر المؤلفة لها، يبين أنها أي الحركة هي فعل في طور الإنجاز، وأنها ضد السكون، وأنها تحتاج لمحرك ومتحرك ومسافة، فبعد هذا فقط ينتقل أرسطو مباشرة للحديث" عن العلل والأسباب المحركة أي إلى تفسير ظاهرة الحركة بإرجاعها  إلى علل وأسباب، وهو دليل على أن التجربة الحسية عند أرسطو هي نقطة انطلاق العلم الفيزيائي مادام موضوع هذا العلم عنده هو الحركة نفسها أو الموجودات من حيث هي متحركة كما يقول أرسطو.
الانتقال إلى  المناقشة
في مقابل هذه التصورات التي كانت تعطي القيمة للتجربة بمعناها الحسي الخام والتلقائي سيعرف الفكر العلمي مند مطلع القرن 17 شكل آخر من التجربة هو التجربة المبنية والمشيدة والموجهة بمقتضيات نظرية محددة سلفا، والتي وحدها ستصبح تسمى بالتجربة العلمية، فأمام الانتقادات والمراجعات التي تعرض لها العلم الأرسطي مند بيكون وتيكوبراهي وغاليلي وغيرهم، كان لزاما على العلماء التفكير في المنهج الذي يمكنهم من بلوغ المعرفة والحقيقة وهو ما أفضى إلى ظهور ما يعرف بالمنهج التجريبي القائم على الملاحظة الموجهة والمبنية، فالعالم بدءا من القرن 17 لم يعد يلاحظ(التجربة/الواقع) أولا ثم يفكر ثانيا (النظرية/العقل) كما كان الأمر مع أرسطو، وإنما العكس أصبح العالم يحدد لنفسه مشكلة وفي ضوئها يتجه إلى الواقع لملاحظته، حيث لا يلاحظ أي شيء وكيفما اتفق، وإنما يلاحظ فقط ما يفيده في الجواب عن ذلك المشكل الذي بناه بفكره، فمثلا ظل العلماء على مر الزمان يراقبون السماء ويلاحظون ما يجري فيها، لكن وحده تكوبراهي من لاحظ تكون نجم جديد في السماء وبأن بعض المذنبات تصعد حتى تقترب من الشمس ثم تعود لتقترب من الأرض، وسبب ذلك ليس تطور الأدوات التي كان يستخدمها وإنما كون ملاحظاته كانت موجهة بمشكلات محددة وهي : هل عالم مافوق القمر يطاله الكون والفساد أم انه كما اعتقد أرسطو ثابت لا تغير فيه؟وهل هناك فعلا أفلاك حاملة للكواكب كما اعتقد أرسطو وبطليموس؟ فوجود مثل هذه التساؤلات في ذهن العالم هو الذي جعله يدرك بملاحظته للسماء بأن المذنبات تخترق في مسارها السماء، وبأن في عالم ما فوق القمر نجوم جديدة تتكون وأخرى قديمة تختفي، وما ينطبق على عالم مافوق القمر ينطبق على أي عالم آخر، فبدون تساؤلات يحملها العالم في ذهنه وبدون خطة مسبقة توجه الملاحظة لا يمكن لأية ملاحظة أن تكون منتجة وعلمية، أما عن التجربة التي كانت عند أرسطو وغيرها من القدماء فهي تجربة تلقائية وعفوية وحسية .
لكن في بداية القرن 17 كان التجريب عبارة عن جملة من الإجراءات المختبرية المحددة مسبقا أدواتها وخطواتها، إنها عبارة عن عمليات مقصودة ينجزها العالم نفسه بناء على المعطيات النظرية التي يريد فحصها واعتمادا على وسائل وتقنيات هي نفسها نتاج وحصيلة لنظريات معينة سابقة وتبعا لهذا فالتجربة بمفهومها العلمي الحديث هي عبارة عن استنطاق ومسائلة للواقع وليست مجرد إنصات وملاحظة عمياء، إن التجريب العلمي هو إرغام للطبيعة على البوح بأسرارها وعلى الكشف عن ما تخفيه من قوانين و علاقات وليست مجرد مراقبة وتتبع للظواهر الطبيعية، فمثلا كلود برنار أكد في كتابه "مدخل لدراسة الطب التجريبي" على أن معرفة قوانين الطبيعة وبلوغ المعرفة العلمية يقتضي من الباحث ملاحظة الظاهرة بشكل منظم ودقيق، وانطلاقا من ملاحظتها يصوغ مجموعة من الفرضيات التي تظل مجرد احتمالات قد تكون صادقة أو كاذبة ومن أجل التأكد منها يلجأ لاختبارها، وهو ما يتيح له في النهاية القبض على الفرضية الصحيحة التي يؤسس عليها قانونا مفسرا لظاهرة بشكل عام كما وقع في تجربة الأرانب:  
الخطوة الأولى
الملاحظة
لاحظ كلود برنار بول الأرانب الذي كان صاف وحمضي مع  العلم أن المتعارف عليه هو أن بول الأرانب يكون عادة مكدر اللون وغير حمضي لأنها حيوانات عاشبة
الخطوة الثانية
طرح الفرضية
افترض برنار أن هذه الأرانب أخضعت لنظام غدائي يناسب الحيوانات اللاحمة فافترض أنها ربما أخضعت لنظام غدائي يناسب الحيوانات اللاحمة فتحولت بفعل الإمساك الطويل إلى حيوانات تقتات من دمها لتعيش.
الخطوة الثالثة
مرحلة التجريب المنهجي الموجه بأسئلة من طرف العالم برنار/التوجه إلى التجربة
قدم للأرانب طعاما عاشبا وبعد ساعات لاحظ أن بولها أصبح يتخدر وأصبح غير حمضي، ثم أخضعها للإمساك عن الطعام فلاحظ بعد 36 ساعة على أبعد تقدير قد أصبح بولها صافيا وحمضيا وأخضع الخيول لنفس التجربة فاكتشف أن إمساكها عن الطعام يجعلها تنتج حموضة مفاجئة وزيادة في مادة الأوريا (مادة بلورية توجد في بول الحيوانات)
الخطوة الرابعة

صياغة قانون علمي
يخلص برنار إلى قانون علمي  مفسر للظاهرة خلص فيه إلى أن كل الحيوانات التي تتغذى باللحم عند إمساكها عن الطعام، بحيث يصبح بولها شبيها ببول الحيوانات العاشبة.
من هنا يتضح لنا أن هذا المنهج تكمن قيمته في كونه لايدع فرصة للباحث كي يلقي بميولاته وذاتيته على الظواهر التي يدرسها، بل كل خطوات المنهج تكون خاضعة لتنظيم قبلي يضعه وينتجه العالم من أجل تفادي أي معارف تلقائية أو ظنون بل يتم الإحتكام إلى التجربة العلمية المبنية، فما أكدته يعتبر علميا وما فندته يتم التخلي عنه.
إن التجريب العلمي  باعتباره مساءلة منهجية للواقع ساهم في تطور  العلم وتقدمه عكس التجربة العفوية والتلقائية والحسية وهكذا أصبح  العالم كما يقول كانط في كتابه "نقد العقل الخالص": يواجه الطبيعة وهو يحمل مبادئه التي هي وحدها قادرة أن تمنح للظاهر المتطابقة قوانين صارمة، ويحمل من جهة ثانية التجريب الذي تخيل صورته وفقا لهذه المبادئ. إذ عليه أن يواجه الطبيعة لكي يتعلم منها، ولكن ليس بوصفه تلميذا يتقبل كل ما يريده المعلم، بل بوصفه قاضيا يحث الشهود على الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها عليهم". وفي ظل التحولات التي عرفها العلم المعاصر وظهور معطيات جديدة حيث انتقلنا من الماكروفزياء إلى الميكروفزياء مع اكتشاف الجراثيم والباكتيريات الدقيقة واكتشاف الإلكترونات والفتونات التي لا نملك التقنيات والوسائل للكشف عنها، لكن العالم يقر بوجودها لذلك لم يعد التجريب كافيا لتحقق من صحة فرضية ما بل أصبح بإمكان العلماء أن يلجئوا إلى الإعتماد على الخيال للقيام بتجارب ذهنية وفي هذا الصدد يوجه روني طومR.THOM نقدا لاذعا للقائلين بإطلاقية المنهج التجريبي وصلاحيته اللامتنهاية وبإمكانية شموليته لجميع الظواهر كما ذهب إلى ذلك فرانسيس بيكون وهو ما اعتبره روني طوم مجرد وهم لذلك أكد روني طوم على أن التجربة لا تكون علمية إلا إذا كنا قادرين على إعادة صنعها في مكان وزمان آخر ، كما يربط علمية التجربة العلمية بالأهداف النفعية التي تسعى لتحقيقها وفي هذا السياق يؤكد روني طوم على محدودية الواقع في قوله "إن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف سبب أو أسباب ظاهرة ما، ففي جميع الأحوال ينبغي إكمال الواقعي بالخيالي، هذه القفزة نحو الخيالي هي أساسا عملية ذهنية، أو تجربة ذهنية، ولا يمكن لأي جهاز علمي أن يعوضها".
التــــــركيب
مما سبق يبدوا لنا أن فلسفة العلوم على وعي تام اليوم بالتحولات الكبرى التي يعرفها العلم والتي تطورت معها آليات اشتغاله وإنتاجه لمعارفه العلمية حول الظواهر التي يدرسها فإذا كانت المعارف العلمية على العموم هي نتاج حوار مستمر بين النظرية والتجربة فإن التجربة التي تحدثنا عنها  والتي ساهمت في تطور العلم ليس التجربة الحسية بل التجريب العلمي باعتباره مسائلة منهجية للواقع، فلم يعد العالم يتعامل مع الواقع بعفوية بل انطلاقا من تفكير نظري  فإذا كانت التجربة هي معطى خام قائم بذاته في الواقع وسابق على كل تفكير نظري فان التجريب هو عبارة عن فعل وإنجاز يقوم به العالم نفسه بناءا على معارف يمتلكها سلفا وقد يتدخل فيها الخيال، لأن التطور المعاصر والإكتشافات العلمية المعاصرة للجزيئات الذرية وللإلكترون الذي يحوم حول النواة  وغيره أثبت محدودية المنهج التجريبي وأعاد الإعتبار للتجربة الذهنية التي تقوم على الخيال الخلاق والمبدع كما يقول انشتاين.


النظرية والتجربة: مدخل عام لمجزوءة المعرفة

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم عام
إن العلم لا يفكر في ذاته هكذا قال هيدغر يوما، وهو ما يعني أن الفلسفة تقوم بذلك، إن المبحث الذي يفكر في العلم ضمن الفلسفة يسمى بفلسفة العلوم الإبستمولوجيا l’épistémologie، لقد حاولت الإبستمولوجيا أن تفكر في تاريخ العلم والمعرفة العلمية، وكانت الغاية هي نقد الأسس والمبادئ التي يقوم عليها العلم بل نقد كذلك إدعاءاته (اليقين/الحقيقة المطلقة/...). إن التفكير في تاريخ العلم رغم كونه حديث النشأة إلا أننا نجد تفكيرا في شروط المعرفة العلمية حاضرة لدى الفلاسفة عبر تاريخها، فقد فكر أفلاطون في الأسس التي يمكن أن يقوم عليها العلم الرياضي في اليونان(الدوكسا أو الإيدوس) كما فكر في ذلك أرسطو،
لكن التفكير في الأسس التي يمكن أن يقوم عليها العلم والمعرفة العلمية تتغير من لحظة تاريخية للأخرى فتفكير اليونان مختلف عن تفكير علماء العصر الحديث والمعاصر.فإذا كان بعض الفلاسفة قد أعلوا من قيمة العقل(النظرية )على حساب الواقع (التجربة) فإن البعض جمع ووفق بينهما ورأى أنه لا معرفة علمية بدون تجربة تحاور النظرية. فما النظرية وما التجربة؟ وكيف تنتج المعرفة العلمية؟ وما خصائص العقلانية العلمية ؟وبأي معيار نقيس علمية نظرية ما؟وفي الأخير لماذا نطلب تحصيل المعرفة العلمية؟ إن كانت الحقيقة هي الغاية؟ فما هي الحقيقة ولماذا يطلبها الناس هل لنفعيتها أم لقيمتها ..؟
النظرية والتجربة
* من الدلالات اللغوية إلى الإشكالات الفلسفية
يحيل لفظ النظرية أو النظر في لغة الحياة اليومية على الرأي أو الحكم والقول، فمثلا قد تقول لشخص ما: ما رأيك؟ وما نظرك؟ وهي صيغ نستعملها لتعبير في حياتنا اليومية والغاية منها معرفة رأي شخص ما ونظرته في أمر ما، هنا تكون النظرية في الدلالة العامية مرادفة لتفكير في ما هو عملي، لكن في نفس الآن مقابلة ومتعارضة مع الفعل والتجربة، فالنظر والمعرفة النظرية لدى الحس العام المشترك إذا لم تقترن بالتجربة والعمل فإنها تتخذ معنى قدحيا، فتحيل على غياب الفعالية وعلى الحلم والسذاجة والإنفصال عن الواقع.فالمنظر مجرد حالم.عكس هذا التصور الذي يعطي القيمة للتجربة نجد الفلسفة اليونانية في بداية ظهورها خاصة مع أرسطو وأفلاطون قد أولت الأهمية الكبرى للنظرية فهذا المعلم الأول أرسطو: يقول في كتابه "الميتافيزيقا" الإنسان الذي يهتدي بمعطيات فن(علم) من الفنون أعلى ممن يتبعون التجربة وحدها، فالمهندسون فوق العمال اليدويين، والعلوم النظرية فوق العلوم العملية الخالصة".
من خلال تأملنا في كلا التصورين نلاحظ التعارض البيّن في الموقف من النظرية والتجربة وهو ما يفرض علينا العودة للمعجم لتحديد المفاهيم لغويا وفلسفيا.
* في الدلالة اللغوية :
لفظ النظرية في الفلسفة العربية مشتق من "النظر" أي من فعل الرؤية والملاحظة بالعين، وكلمة  théorieهي كتابة فرنسية لكلمة théoria  الإغريقية المشتقة من فعل théorien  بمعنى نظر ولاحظ ثم تأمل، وفي الدلالة الاصطلاحية و المعجمية تدل النظرية في العربية على ترتيب أمور معلومة على وجه يؤدي إلى استعلام ما ليس بمعلوم، أما في اللغة الفرنسية  تعني النظرية théorie في المعنى الأول "مجموعة من الأفكار والمفاهيم المجردة والمنظمة قليلا أو كثيرا، والمطبقة على ميدان مخصوص، وفي معجم روبير تعني بناءا عقليا منظما ذا طابع فرضي ...تركيبي".
* في الدلالة الفلسفية
يحدد لالاند في معجمه الفلسفي النظرية بأنها إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ وهي تتعارض مع الممارسة أو التجربة بمعناها النفعي المصلحي، كما أن النظرية تتعارض مع الرأي والمعرفة التلقائية والعفوية، لأنها معرفة منهجية ومنظمة، تتوقف من حيث شكلها على القرارات والمواضعات العلمية التي لا تنتمي للحس المشترك وتتقابل النظرية مع المعرفة اليقينية لكون النظرية بناء فرضي، كما تتعارض مع الجزئيات والتفاصيل العلمية لأنها تركيب وبناء منهجي يخضع للصرامة المنطقية، النظرية بشكل دقيق مع فولكيه وبيير دوهييم هي"بناء عقلي يتم بواسطته ربط عدد من القوانين بمبدأ"، يمكن أن تستنتج منه بدقة وصرامة، فالنظرية لا تتألف فقط من أفكار ومفاهيم مجردة بل من قوانين ومبادئ تقوم بربطها على نحو استنتاجي".
* الفرق بين التجربة والتجريب في التعريف المعجمي والفلسفي:
أما التجربة expérience  في تعريفها فإنها تحيل على الواقع المباشر الماثل أمام العين المجردة، وعند لالاند هي المعرفة المباشرة والفورية التي نحرزها عن الوقائع والظواهر من خلال احتكاكنا اليومي معها وهي عكس التجريبexpérimentation   فهو الإستعمال المنهجي للعقل يقوم على إجراء سلسلة أو جملة من الاختبارات أو التجارب من أجل إحداث تأثير في الواقع أو الظاهرة المدرسة  وغايته الكشف عن القوانين والمبادئ  المتحكمة فيها.نت فقط تنأنت
* استنتاجات :
ما نخلص إليه هو أننا لا نهتم في العلم بالنظرية، أي الرؤية الساذجة والبسيطة والعفوية بل بالنظرية باعتبارها بناء عقلي منهجي ومنظم للواقع و للظواهر المدروسة وللقوانين التي تحكمها في علاقة بالتجربة، وهنا لا نتحدث عن التجربة العفوية والتلقائية لأنها في العلم لا تساهم في تطور المعرفة العلمية ولا في إنتاجها بل نتحدث عن التجربة المحدثة وفق منهج علمي يسمى التجريب expérimentation .فإذا كان مفهوم النظرية يحيل على التأمل والتفكير والتنظيم لشتات الواقع في مبادئ وقوانين علمية غايتها تفسير حدوث ووقوع ظاهرة ما في الواقع فإن التجربة تحيل على الممارسة العملية وهو ما يعني أن اللفظين ليسا متعارضين في العمق بل هناك حوار وتكامل بين النظرية والتجربة وفي هذا السياق نطرح جملة الإشكالات: ما دلالة التجربة في الخطاب العلمي؟ وما الفرق بينها وبين مفهوم التجريب؟وما المقصود بالنظرية العلمية في الخطاب العلمي؟و ماهي خطوات وعناصر بنائها؟وماهي المعايير التي من خلال نتأكد من صدق وصلاحية نظرية علمية ما؟هل العقل العلمي مجرد مرآة تعكس معطيات الواقع الحسي/التجربة أم أن مبادئ المعرفة العلمية توجد بشكل قبلي وفطري في العقل؟ وهل العقل لوحده دون الإستناد إلى التجربة قادر على إنتاج معرفة علمية؟ماهو دور الذات ممثلة في العقل والموضوع ممثلا في التجربة في تكوين المعرفة العلمية؟ وهل هذه المعرفة العلمية نهائية ويقينية أم أنها نسبية ومتغيرة؟