الخميس، 27 أكتوبر 2016

العلاقة مع الغير :أفلاطون/أرسطو/كارل شميت

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم خاص للمحور:
لا يمكن اختزال العلاقة مع الغير إلى علاقة معرفة، فهذه العلاقة مركبة ومتعددة الأبعاد في الواقع الفعلي، وكل بعد من هذه الأبعاد تتقاسمه قيمتان متعارضتان: إيجابية وسلبية ( المحبة والكراهية، الاعتراف والإقصاء، الصداقة والعداوة. إن الغاية من التفكير في العلاقة الممكنة مع الغير مرده إلى انهمام الفلاسفة بإشكالية سياسية ترتبط بتنظيم المدينة/الدولة Polis سياسيا وثقافيا وأخلاقيا،
إذ لاحظ الفلاسفة أن القوانين منذ اليونان ليست مثالية وغير قادرة على جعل المجتمع أكثر أمانا وسلاما، تسوده قيم التضامن والتعايش، إذ تعبر نزوعات الأفراد والجماعات في كل حين عن العنف والحرب، وهو ما جعل الفلاسفة يفكرون في الغير وفي التنظير للعلاقة معه على أسس أخلاقية تتجاوز الإكراه القانوني إلى الالتزام الأخلاقي تجاه هذا الغير باعتباره ذاتا وأنا آخر، وليس عدوا دائما أو خصما أو نقيضا مهددا للأنا ومن هنا يمكن التفكير في إشكالية العلاقة مع الغير انطلاقا من جملة التساؤلات الفلسفية : ما طبيعة العلاقة التي تجمع الأنا بالغير؟ هل هي علاقة أساسها المتعة والمنفعة أم علاقة أساسها الفضيلة؟هل نصادق الآخرين لأننا نبحث عن الكمال أم لأننا نحس بالنقص؟هل العلاقة مع الغير غايتها حفظ البقاء والنوع أم غايتها تأسيس مجتمع يسوده التضامن والتسامح وينبذ الحرب والعنف؟

موقف أفلاطون :العلاقة مع الغير أساسها الحب الذي تحس به الأنا تجاه الغير، هذا الحب الموجه نحو الغير غايته تحقيق الكمال وتجاوز نقص الأنا
يدافع أفلاطون في محاورة ليسيسLysis  التي خصها لبحث موضوع الصداقة، على أن الصداقة علاقة محبة متبادلة بين الأنا والغير، أساسها حالة وجودية وسط بين الكمال المطلق والتواصل المطلق، بين الخير الأقصى والشر الأقصى، لأن من يتصف بالكمال والخير المطلقين يكون في حالة اكتفاء ذاتي إلى الغير ومن يتصف بالشر والنقص المطلقين تنتفي فيه الرغبة في طلب الكمال وللخير، لذلك فالصديق هو من يتصف بقدر كاف من الخير والطيبة يدفعه إلى طلب خير أو كمال أسمى، وبقدر من النقص لا يمنعه من ذلك، وكأنه يبحث في الغير عما يكمله.
موقف أرسطو:الصداقة فضيلة ، تمنعنا من النظر للآخر باعتباره مفيدا أو نافعا بل باعتباره صديقا
في نفس السياق يضيف أرسطو أن الصداقة، فضيلة، فهي تمثل قيمة إيجابية وسامية، ضرورية للحياة المشتركة، وهي الرابطة التي يمكن أن تجمع بين الناس، فإذا عمت علاقات الصداقة بينهم داخل المدينة فلن يحتاجوا إلى العدالة والقوانين.
يميز أرسطو بين ثلاثة أصناف من الصداقة: صداقة المنفعة وصداقة المتعة وصداقة الفضيلة.فالصنفان الأولان متغيران يتوقفان على ما هو نافع وممتع، ينتفيان بانتفاء أساسهما، أما الصنف الثالث فهو الذي يستحق اسم الصداقة الحقة. لأنه ينبني على محبة الخير والجمال لذاتهما، وهو فضلا عن ذلك يوفر المتعة والمنفعة، ولكن ليس كغايتين في ذاتهما، بل كنتيجة فقط. يتناول أرسطو الصداقة كقيمة أخلاقية ومدنية، ويركز في تحليله لها على الأشكال الواقعية. الصداقة كتجربة معيشة، بخلاف التصور المثالي للصداقة عند أفلاطون القائم على الحب، والتي تمثل عنده حالة وجودية تتوسط الخير الأقصى والشر الأقصى، ولذلك فإن الصديق هو من يتصف بقدر كاف من الخير يدفعه إلى طلب الخير الأسمى. أما من يتوفر على الكمال والخير المطلقين فهو في حالة اكتفاء ذاتي لا يحتاج فيه إلى الآخر، ومن يتوفر على الشر والنقص المطلقين تنتفي معه إمكانية طلب الخير والكمال. فالعلاقة التي يمكنها أن ترتقي بالمدينة/الدولةPolis  بين الغير والأنا هي العلاقة القائمة على صداقة الفضيلة، لأنها تقوم على محبة الخير والجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا، لذلك تدوم وتبقى، وفي هذا النوع من الصداقة تتحقق المنفعة والمتعة أيضا، ولكن ليس كغايتين بل كنتيجتين للصداقة، لذلك فإن صداقة الفضيلة نادرة، لكنها تظل ضرورية ومطلبا للحياة المشتركة، ولو أمكن قيام الصداقة الحق، صداقة الفضيلة بين الناس جميعا، لما احتاجوا إلى العدالة والقوانين والدولة.

كارل شميث : التمييز بين الصديق والعدو هو المميز للعلاقة بين الأنا و الغير، الأنا عند شميث جماعية، والغير كذلك ذات جماعي، إنه يتحدث عن دولة في علاقتها بدولة أخرى، كأقصى تمثيل للعلاقة بين الأنا والغير الذي تظل العلاقة معه  محكومة بالعداء أو الصداقة. التي لا يمكنها أن تكون دائمة ولا العداء دائم، بل المصالح هي التي تحدد طبيعة العلاقة.
يناقش كارل شميث الفيلسوف الألماني، في كتابه "اللاهوت السياسي" كل التصورات الفلسفية التي نظرت لإشكالية العلاقة مع الأخر من منظور الصداقة أو الفضيلة، موجها نقدا لاذعا لكل هذه التصورات الليبرالية أو الساذجة التي تريد أن تقصي الحقيقة التي يقوم عليها العيش بالمعية والعلاقات في مستواها الكوسموبولتيكي(الكوني) فانطلاقا من فلسفة شميث"لا يمكن أن يكون لنا أصدقاء حقيقيون حتى يكون لنا أعداء حقيقيون، ولا يمكننا أن نحب أنفسنا ما لم نكره غيرنا، هذه هي الحقائق القديمة التي نعيد اكتشافها اليوم بأسى كبير بعد قرن و يزيد من الرياء العاطفي"، عندما ننظر للعدو في تصور كارل شميث نجده لا يقصد به الخصم أو المنافس الإقتصادي أو الأخلاقي بل العدو هو ذلك الذي غايته إحداث موت فزيائي للأنا في المعركة أو الحرب أي الوضع الإنساني الأكثر مجازفة.وبالتالي فالعلاقة مع الغير(الذات الجماعية المختلفة) مع الأنا (الذات الجماعية) محكومة بالعداء أو الصداقة المبنية على المصالح المشتركة والتي تتمثل في حفظ الذات وبقائها ضد أي تهديد خارجي.

خلاصات عامة ّ وانفتاح على مفهوم التاريخ:

من خلال مناقشتنا لإشكالية الغير في مختلف مستوياتها، تبين لنا أن إشكالية الغير هي قضية وجودية لأنها مرتبطة بالحياة الإنسانية التي لن يستقيم تنظيمها على مستوى الدولة إلا بتدبير العلاقة مع الغير في مختلف تجلياتها وفحص هذه الإشكالية كانت غايته إيجاد الوسائل والآليات لوضع تصورات تربوية غايتها تنشئة الأفراد داخل المدينة/الدولةPolis  على أساس الوعي بالعلاقة مع الغير في مستواها الميكرواجتماعي(علاقة أنا فردية بأنا فردية أخرى مختلفة) إلى المستوى الماكرواجتماعي الذي تبدوا فيه العلاقة مع الغير وتدبيرها ضرورية للدولة، فإذا كان البعض ينظر للغير باعتباره عائقا أو مهددا للأنا، فالبعض نظر إليه باعتباره ضروريا، لكن العلاقة معه لا تستقيم بدون معرفة مسبقة، هذه المعرفة المسبقة التي تطرح علينا مجموعة من العوائق، فالمعرفة تؤدي إلى الموضعة والتشييء وهي مفيدة في الطبيعة والعلم لكن تطبيقها على الإنسان لا يؤدي إلى نتيجة لأن معرفة الإنسان تظل نسبية ومتغيرة، لذلك نجد أن الفلاسفة يركزون على ضرورة الابتعاد على التخمين وسوء النية والقوالب الجاهزة التي تنشئها الأنا وتطالب الغير بالتطابق معها، فالإختلاف في الفلسفة المعاصرة ضروري لإغناء الوجود الإنساني.
إن مجزوءة الوضع البشري جعلتنا بشكل عام نقف على الشروط التي يوجد فيها هذا الكائن الحي الذي يقذف به إلى العالم ومن خلال مختلف المفاهيم التي تطرقنا إليها من الكائن الحي البيولوجي إلى  الشخص إلى الغير يبدوا لنا أن الإنسان حينما ينظم علاقته مع الغير ينخرط معهم في أعمال وإنتاجات إبداعية تجعلهم يصنعون بوعي أو بدون وعي تاريخهم الخاص، هذا التاريخ الذي يتداخل فيه الإبداع الفردي بالإبداع الجماعي، فيصير الإنسان بهذا كائنا تاريخيا، يتجاوز الحسي ليساهم في التأثير والتأثر بمجموعة من الأحداث والوقائع، وليست الأساطير والقصص والروايات التي تصلنا عن الماضي الإنساني إلا دليل واضح على أن هذا الإنسان يأبى  الإجتثاث ويقاوم الموت لأنه يترك دائما أثرا، يبهرنا به، فليست المايا أو الأنكا أو البابليين والأشوريين والفراعنة بقايا ميتة بل هي وقائع تاريخية لدنيا حولها معرفة نتداولها ونتناقلها بيننا في المدارس والجامعات وكل المؤسسات العلمية، وهو ما يجعل إشكالية التاريخ تطرح نفسها أمام الفحص الفلسفي إنطلاقا من: ما التاريخ؟ وما قيمته وأهميته بالنسبة لحاضر الإنسان؟ وماهي طبيعة المعرفة التاريخية؟ وأي منطق يحكم التاريخ؟ وما هو دور الإنسان في هذه الأحداث والوقائع التاريخية؟

معرفة الغير:إدموند هوسرل/ماكس شيلر/جان بول سارتر/غاستون بيرجي

ذ.الزاهيد مصطفى
             I.               معرفة الغير:
ü تقديم خاص بالمحور:
إن التأسيس للإجتماع البشري وظهور الدولة يقتضي تنظيم العلاقة بين جميع الأغيار، لكن التفكير في أشكال العلاقات الممكنة مع الغير لا يمكن أن نفكر فيه فلسفيا إلا من خلال إشكال سابق عليه وهو التفكير في إمكانية معرفته -فنحن لا يمكننا الإرتباط مع  أحد أو نسج علاقات معه دون معرفة سابقة به- هذه المعرفة التي تطرح أمامنا العديد من العوائق الإبستمولوجية،
فنحن ذهبنا لزمن معتقدين أن فعل المعرفة مرتبط بالعلم والطبيعة لأنه في الواقع وما تكشف عنه الممارسة المعرفية هو أن فعل المعرفة يقتضي الإستناد إلى العديد من الخطوات التي تؤسس لهذه المعرفة وخاصة العلمية منها ك:(الملاحظة/الموضعة/التشييء/العزل/التجريب) وهي الخطوات التي لا يمكن أن نخضع إليها الغير، وحتى إن ادعينا إمكانية ذلك فلن نعرف سوى جسمه وجسده أما عالمه الداخلي فيظل عسيرا على المعرفة وصعبا على الاختراق، من هنا تصدر إشكالية معرفة الغير التي نجملها في :
ألا يؤدي فعل المعرفة باعتباره ارتبط تاريخيا بالعلم والطبيعية إلى تشييء وموضعة الإنسان وسلبه كل خصائصه الصورية (الوعي/الحرية/الاستقلالية/المسؤولية/) ؟ وهل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ وإذا كانت ممكنة فهل هي مطلقة ونهائية وقابلة لتعميم أم أنها مجرد ظنون وأوهام وتخمينات قد يساهم هذا الغير في حد ذاته في خلقها لدي حينما يقدم نفسه أمامي بصورة معينة؟
موقف إدموند هوسرل: معرفة الغير ممكنة عن طريق التذاوت intersubjectivité
يرى هوسرل أن معرفة الغير ممكنة عن طريق ما يسميه بالتذاوت inter-subjectivité فالذات تدرك الغير في العالم المعيش le monde vécu وكأنه متحكم في أفعاله وسلوكاته وتصرفاته وجسمه، لكن هذا الغير مخترق حسب هوسرل بالغير فهو لايتصرف من تلقاء ذاته بل استنادا إلى حضور الأنا، فإدموند هوسرل يرى أن هناك إمكانية لمعرفة الغير، بحيث ترتبط الذات بالغير من خلال المجال المشترك الذي يسمى العالم. و هذا العالم توجد فيه الذات كما يوجد فيه الغير، فإدراك الذات لهذا العالم هو إدراك لهذا الغير الذي يوجد فيه. و ما دام العالم يتشكل من هذه الذوات و يتأسس عليها، فإن إدراكي لها ليس إدراكا معزولا ناتجا عن نشاط فكري أو ذاتي تكون الذات في غنى عما يمكن أن يقدمه الغير من تصورات . فتصور العالم هو تركيب لمجموع التصورات، و تفاعل الذوات فيما بينها . كما لا يمكن أن نتحدث عن عزلة فكرية و عن عدم القدرة على معرفة الغير ما دمنا نساهم في إنتاج العالم و تشكيل معالمه، و يظهر الغير في العالم و كأن له القدرة على التحكم في تصرفاته و انفعالاته، لكن الغير مخترق بواسطة الأنا كما توجد الأنا مخترقة من خلال الغير، إننا ندرك نفس العالم لكن لا يمكن للأنا أن تكوّن معرفة مطابقة للمعرفة التي يكونها الغير حول العالم، فلكل من الأنا والغير تجربتهم الخاصة حول العالم، فالوردة التي يرى فيها شخص ما رمزا للحب قد لا يعيرها شخص آخر أي اهتمام، ولا يمكن القول باستحالة معرفة الغير مادام إدراكهما للعالم مختلفا بل إن التذاوت أي التفاعل بين الذوات هو السبيل لكي تدرك الأنا الغير في قصدية ما يروم إليه من خلال فعله.
ماكس شيلر: معرفة الغير ممكنة من خلال النظر إليه كبنية كلية لاتقبل التجزيئ
يرى ماكس شيلر أن معرفة الغير ممكنة باعتباره بنية كلية مترابطة، ويؤسس لأطروحته على أساس استنباطي، مؤكدا على أننا نشارك الغير في إضفاء المعنى والدلالة على أفعاله فيكفي أن نرى ابتسامته لنقول بأنه فرحا، أو احمرار وجهه لنقول أنه خجل، أو دموعه لنقول أنه حزين، وعلى هذا الأساس يوجه شيلر نقدا لاذعا للمنهج التجريبي الذي يرى بأن تعابير وسلوكات الشخص لا تعبر نهائيا على عالمه الداخلي وكأن الغير يعيش حياتين منفصلتين، عالم داخلي وعالم خارجي، لذلك يؤكد شيلر على أن المنهج التجريبي لا يمكن تطبيقه على الفعل الإنساني لأنه فعل غير قابل للتجزيء مادام يتداخل فيه ما هو نفسي وروحي مع ما هو مادي عضوي، ويقترح شيلر الإنطلاق من المنهج الفينمينولوجي الذي ينظر للفعل الإنساني في كليته وقصديته، وينتهي شيلر إلى أنه لا يمكن أن نطبق خطوات المنهج العلمي التجريبي على التعابير الإنسانية فإذا كان الموضوع الفزيائي أو الطبيعي قابل للتقسيم والتجزيئ  والموضعة والملاحظة المؤدية إلى المعرفة المطلقة القابلة لتعميم، فإن الفعل والتعبير  الإنساني غير قابل لذلك، فالإبتسامة مثلا أو الحزن أو الفرح لا يمكن تجزيئه وتقسيمه وموضعته أو فصله عن ما هو داخلي، إن تعابير الغير هي مرآة عاكسة لعالمه الداخلي لذلك فالتعاطف والمشاركة هي ما يمكننا من إدراك الغير ومعرفته وفي هذا الصدد يقول ماكس شيلر"إن ما ندركه، منذ الوهلة الأولى، ليس جسد الغير ولا نفسيته، بل ندرك الغير بوصفه كلا لا يقبل القسمة، إذ لا يمكن أن نقسمه إلى قسمين، أولهما يدرك داخليا(نفسيا)، وثانيهما يدرك خارجيا(جسديا)، إن المضمونين الداخلي والخارجي، يترابطان ترابطا وثيقا بخيط دائم ومستقل عن كل ملاحظة واستقراء".
موقف جان بول سارتر: معرفة الغير كأنا غير ممكنة، فإخضاعه لفعل المعرفة  يؤدي إلى موضعته وتجميد إمكانياته
يقدم الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر تصوره حول العلاقة بين الأنا و الآخر كما تتجلى في مختلف مظاهر الحياة المعيشة ( النظرة،الحب...) على أنها علاقة صراع تدور حول الموضعة، و تتجلى خاصية الصراع في أنني أحاول أن أدرك الآخر كموضوع أشيئه و أفقده بالتالي إمكاناته و حرياته. و حين أنظر إليه يشيئني و يفقدني حريتي .و يظهر الوصف الذي قام به سارتر لمختلف مظاهر الحياة المعيشة، أنني أعجز عن النظر إلى الآخر كذات و كموضوع في نفس الوقت. و بالتالي يظهر أن الوضعية التي أعترف فيها بحرية الآخر هي وضعية مستحيلة، على اعتبار أن وعي الآخر كوعي حر هو وعي يوجد خارج قدراتي المعرفية و يحمل تناقضا و استحالة تجعله بعيدا عن المعرفة.
 فادعائي ورغبتي في معرفة الآخر هي مجرد محاولات للسيطرة عليه وموضعته وتشييئه. فكل واحد منا يسعى من خلال نظرته إلى تجميد الآخر والحد من تلقائيته وعفويته لكن كل واحد منا ينفلت من الآخر بفعله واختياراته وتعاليه على تلك النظرة وهو ما يجعل معرفة الغير مستحيلة كذات، إن سقوط الأنا في العالم منذ اللحظة الأولى التي تقذف فيها إلى العالم يوازيها انبثاق للغير من خلال نظرته التي تموضع الأنا لكن الأنا لا يمكنه معرفة الغير لأن حريتها توجد في تعاليها على نظرة الغير، وكل ادعاء لهذه الإمكانية(أي إمكانية معرفته)هي ليست إلا محاولة لسيطرة عليه وتشييئه.
غاستون  بيرجي : معرفة الغير مستحيلة، فعالمه حصن موصد لا يمكن للأنا اختراقه أو تمثله بشكل يتطابق مع ما يفكر فيه الغير
يرى الفيلسوف الفرنسي غاستون  بيرجي  أن الذات تشكل عالما فريدا من نوعه، فهي تعيش في استقلال و انفصال عن الغير، إذ لا يمكن سبر أحدهما أغوار الآخر رغم حضورهما معا . و هذا الحضور لا يكون إلا للجسد أو للجسم . لكن، عقل الأنا و تفكيرها غائب عن هذا الحضور، فهو يتوارى وراء حجب لا يمكنها أن تنكشف أو تتجلى أمام الغير. فكل ما تمر به الذات لا يمكن للغير أن يشارك الأنا فيه بنفس الدرجة و المقدار، رغم أنه قادر على الإحساس و التعاطف معها، يعطينا بيرجي مثالين أو تجربتين يبدوا فيهما عالم الغير غريب تماما عن عالم الأنا، فتجربة الفرح أو الألم هي دليل قاطع عند بيرجي على عدم قدرة الغير على معرفة عالم الأنا، فمثلا حين أكون فرحا نتيجة خبر ما أو سماع شيء ما فرغم وجود الآخرين إلى جانبي فلا يمكنهم نهائيا أن يحسوا بوقع الفرح علي كما أحس به أنا رغم أنهم يشاركونني فرحتي إلا أن فرحي يظل خاصا بي ولا يمكن لمشاركتهم أو تعاطفهم أن يكون مطابقا لما أحس به، فمثلا العروس ليلة العرس قد يشاركها كل الأغيار فرحتها لكن لا أحد بإمكانه أن يحس بما تحس به هي داخليا، رغم أنهم يعبرون عن فرحهم لفرحها، كما أن تجربة الألم وخاصة الموت كأقصى تجربة وجودية قد يشاركنا الغير عن طريق تعاطفه فيها إلا أن هذا التعاطف يظل برانيا عني لأنني أنا المتألم الوحيد وأنا الوحيد القادر على الإحساس بذلك الألم الذي قد يحدثه وقع الموت من خلال فقدان قريب أو حبيب علي، أما الغير فلا يستطيع مهما حاول أن يصل إلا عالمي الداخلي ووقع الألم علي.

وجود الغير:مارتن هايدغر/جان بول ساتر/فردريك هيجل/رونيه ديكارت

                   
ذ.الزاهيد مصطفى
                                                  I.               المحور الأول : وجود الغير
üمقدمة خاصة  للمحور الخاص بوجود الغير:

لا يمكن للإنسان أن يحبس نفسه في قمقم، فإن قطب 'الأنا' لا يستطيع العيش إلا في علاقة "بقطب الغير"، حقا إن المرء يولد بمفرده ويموت بمفرده، ولكنه لا يحيا إلا مع الآخرين وبالآخرين وللآخرين، وإذا كان قد وقع في ظن البعض  أن الشعور الفردي إنما هو ذلك الوعي الخاص الذي نستشعر معه أننا موجودون  وحدنا دون الآخرين، فإن هيدغر يقرر أن الوجود دون الاخرين هو نفسه صورة من صور الوجود مع "الأخرين"
بمعنى أن الشعور الفردي لا ينطوي على انفصال مطلق عن عالم الغير الذي هو من مقومات الوجود الإنساني بصفة عامة، وكما أنه ليس ثمة ذات بدون العالم، فإنه ليس ثمة ذات بدون الغير، وسواء كان الغير الذي أتصارع معه وأتمرد عليه وأسخر منه أم كان هو الصديق الذي أتعاطف معه وأنجذب إليه فإنني في كلتا الحالتين لا أستطيع أن أعيش بدونه، ولا أملك سوى أن أحدد وجودي بإزائه، وسواء قلنا مع سارتر الجحيم هو الغير أم قلنا مع مالبرانش أنه ليس هناك من عقاب أقصى على المرء من أن يعيش في الجنة بمفرده،فإن من المؤكد أن وجود الغير قضية أساسية تتطلب منا معالجتها فلسفيا إستحضار الإشكالات التالية:هل وجود الغير ضروري لكي أحقق وعيي بذاتي؟ بعبارة أخرى هل وعيي بذاتي هو وعي مباشر ومستقل أم أن وعيي بذاتي لا بد أن يمر عن طريق الغير؟ وكيف يمكنني إدراك وجود هذا الغير؟  هل بوصفه شيء من الأشياء الموجودة في الطبيعة أم باعتباره أنا آخر غيري يستحق التقدير والاحترام؟وكيف يمكن أن يعترف بي من طرف هذا الغير؟ هل من خلال الصراع من أجل الاعتراف أم من خلال الإعتراف المتبادل؟.

تصور مارتن هيدغر انطلاقا من تحليلنا له في القسم
ينطلق هيدغر في مناقشته لإشكالية وجود الغير في كتابه "الكينونة والزمن" من تأكيده على أن الإنسان موجود في هذا العالم، هذا الوجود عند هيدغر ليس بالمعنى المكاني الفزيائي، بل بالمعنى الأونطولوجيإلى جانب موجودات بشرية أخرى، فالموجود هنا(الأنا) تجد نفسها في عالم الآخرين الذي يفرض عليها أن تتعامل معه وتعيش معه، فهيدغر، لا يقصي الغير ولا يدعو للعزلة والفردانية كما ذهبت إلى ذلك الفلسفات الذاتية بل إن هيدغر يؤكد على أن العزلة عن الآخرين غير ممكنة ويلخص ذلك في قوله: "إن الوجود بدون الآخرين هو نفسه صورة من صور الوجود مع الآخرين" لكن ما ينتقده هيدغر هو إنسان العصر الحديث الذي فُرض عليه بواسطة مختلف الوسائط الإيديولوجية أن يعيش في حالة جماعية زائفة تفرض عليه التنازل عن وجوده الخاص والأصيل فيصبح في هذه الحالة وجود الإنسان هو عبارة عن انغماس وذوبان في عالم "الجمهور" الزائف.
فهيدغر يفرق بين وجود حقيقي وأصيل، ووجود زائف غير مشروع، فلكي تحافظ الدزاين/الذات/الأنا/ على وجودها الأصيل الذي يضمن لها حريتها ويجعلها حاملة لمسؤوليتها التامة عن أفعالها واختياراتها، أما الوجود الزائف فإنه يفرض على الذات النزول إلى مستوى الموضوع أو الأشياء، فتميل إلى الانغماس في عالم الجمهور الذي هو عالم استهلاكي وهو ما يمَكن الآخرين من سلبنا ذواتنا وحريتنا ومسؤوليتنا، وهو ما يؤدي إلى فقدان الذات لأصالتها وشخصيتها وهويتها، فالعودة إلى الذات أي الوجود الأصيل حسب هيدغر هو الطريق لتحرر الأنا من سلطة الغير وقبضته، وهيدغر بدعوته هذه لايقصي الغير لكنه حذر من عالمه الزائف الذي تناقش فيه فقط القضايا المنحطة والتافهة(الأيقونات/النجوم/الماركات العالمية/الأحداث اليومية..).
ما يمكن أن نخلص إليه من تصور هيدغر هو أن هيدغر يؤكد على أن التباعد هو الخاصية المميزة للعلاقة بين الأنا والغير، فأخذ المسافة من عالم الغير ضروري لكي لا تسقط الأنا في قبضة الغير ولكي لايتم إفراغها من كينونتها، وقد حاجج على ذلك من خلال المثال الذي أعطاه بركوب الحافلات وقراءة الصحف والأخبار ومشاهدة التلفاز فإنها تؤدي في نهاية المطاف إلى تنميط الأنا وجعلها تفرغ من هويتها وتفكر بشكل منقاد وشبيه لما يفكر فيه كل الأغيار اللذين يعيشون وجودا زائفا ومبتذلا.

جدول  لتوضيح الفرق بين الوجود الأصيل والوجود الزائف عند مارتن هايدغر:
الوجود عند هيدغر ينقسم إلى:
الوجود الأصيل
الوجود الزائف
هو وجود تكون فيه الأنا حرة وواعية ومستقلة، ومريدة  ومسؤولة مسؤولية تامة عن وجودها وتفكر في العالم بمعزل عن أي سلطة خارجية أو إكراه أو توجيه سواء كان ماديا أو إيديولوجيا.
هو عالم الجمهور الذي خلقته الأجهزة الإيديولوجية لسلطة، وهو عالم مستغرق في اليومي ويكون فيه الأفراد منقادين وخاضعين لبعضهم البعض ومنمطين يفكرون في قضايا منحطة وشبيهين بالأشياء.

موقف جان بول سارتر:وجود الغير يتجلى كعائق من خلال نظرته أمام الأنا لكنه عائق ضروري لتحرر الأنا

في معالجته لإشكالية وجود الغير، يؤكد سارتر في كتابه "الوجود والعدم" أن سقوط الأنا في العالم إلى جانب الأشياء حيث تحتل الأنا المركز المستقل الذي تلتف حوله الأشياء، لكن انبثاق الغير الذي يوازي سقوط الأنا في العالم يجعل الأنا تحس أنها لم تعد وحيدة، فيظهر الغير باعتباره آخر يزحزح الأنا من مركزها الذي كانت تحتله مقارنة مع الأشياء الجامدة التي لاتستطيع أن تسلب أحدا حريته، وهو ما يجعل الأنا تفكر في وجود الغير الذي أصبح بإمكانه من خلال نظرته تجميد تلقائية وعفوية وحرية الأنا، وفي هذا الصدد يقول سارتر"فلولا أن الآخر يراني وينظر إلي لظل شيئا بين الأشياء، وأظل في عالمه كموضوع للنظر والتأمل،فموضوعيتي لا تأتي إلي من العالم، مادام العالم يستمد موضوعيته من وجودي، إذ أنه لايستطيع أن يكون موضوعا لنفسه"فالمسألة حسب سارتر هي صراع بين الأنا والغير وبتعبير أدق مبارزة،"فالغير هو الإمكانية الدائمة التي تحولني إلى موضوع مرئي، والغير هو الإمكانية الذاتية الذي يتحول بواسطتي إلى موضوع مرئي"، فالرجل "الذي يقرأ في كتابه مثلا دون أن يسمع شيئا أو يرى شيئا سوى الكتاب بين يديه يمكن أن أنظر إليه من مسافة بعيدة باعتباره"رجل قارئ"  كما أقول عن هذه الصخرة، على أنها صخرة باردة، فهاهنا يبدوا الغير حسب سارتر كوجود مكاني باعتباره شيء ولكن بمجرد ما أن يلتفت إلي هو الآخر حتى تزول عنه هذه الشيئية لأتحول أنا إليها، فالغير موضوع وذات عندما أكون ذاتا بالنسبة إليه إذ لا أستطيع أن أكون موضوعا بالنسبة إلى نفسي، كما لايستطيع الغير أن يكون موضوعا إلى نفسه"فكل واحد منا يحقق حريته ووعيه بذاته من خلال تعاليه على نظرة الآخر وهي نظرة يتعالى عليها كل "أنا" في اتجاه الغير من خلال الفعل والإختيار الذي يقوم به في سبيل حريته، وفي هذا الصدد يقول سارتر"فنظرة الآخر وسيط بيني وبين نفسي وأنا أرى نفسي لأن الآخر يراني وهو شعور أوضح ما يكون في حالة الخجل وهي حالة يتعرف فيها المرء على نفسه كموضوع يراه الأخر ويحكم عليه، أو بالأحرى كحرية تفلت منه".

مـــــوقف هيجل :وجود الغير ضروري لتحقق الأنا وعيها بذاتها من خلال صراعها ضد الغير من أجل نزع الإعتراف
في قراءته لهيجل يعيد جان هيبوليت بناء التصور الهيجيلي حول تطور الوعي وأقصى ما يمكن أن يتجلى فيه الوعي  كما ناقش ذلك هيغل في كتابيه "الإستطيقا" و"فينومينولوجيا الروح" أن الإنسان لا يكون ولا يوجد من أجل ذاته حسب هيجل إلا إذا تجاوز الوجود الطبيعي (الوجود كأشياء الطبيعية)، فالإنسان يمكنه أن يوجد من أجل ذاته في الوقت الذي ينفي فيه الوجود الطبيعي  كي يسمو إلى ما يكون موضوع رغبته، إن  تدخل الإنسان في الطبيعية من أجل تحويلها وإضفاء لمسته الخاصة حولها هو ما تستهدفه الرغبة، إن الرغبة هي وعي الذات بذاتها حسب هيجل ولن تكون الذات على وعي بذاتها إلا إذا كانت لديها رغبات تسعى لتحقيقها في إطار الصراع من أجل نزع الاعتراف الذي تحركه الرغبة عند هيغل رغبة العبد في التحرر،  فحينما تسعى الذات إلى تجاوز وجودها الطبيعي /الحسي نحو  تحقيق رغباتها فهي في نفس الوقت تسعى لتحقيق وعيها بذاتها، لكن هذا الوعي بالذات يصطدم برغبات ذات أخرى وهو ما يؤدي إلى صراع بين الرغبات،تجد الأنا فيه نفسها مجبرة على الدخول في صراع قاتل ومميت من أجل نزع الاعتراف ضد نقيض الأنا وهو الغير ويمثل لنا ذلك هيجل من خلال جديلة العبد والسيد فكل منهما يرغب في تحقيق وعيه بذاته من خلال رغباته وهو ما يجعلهما في صراع مستمر لكي ينفي أحدهما الآخر وينتصر عليه لكي ينتزع منه اعترافه بذاته كشخص حر وواع ومستقل، هذا الصراع هو الذي يمنح الذات و الآخر يقينا بوجودهما. فيرتقي بالفرد من مجرد أنا مباشر إلى وعي بذات معترف بها.هذا الإعتراف لا يمنح بشكل سلمي وإنما ينتزع عبر صراع يِؤدي إلى استسلام أحد الطرفين، وبذلك تنشأ العلاقة الإنسانية الأولى: " علاقة السيد والعبد في التاريخ ".

موقف ديكارت ، الأنا مكتفية بذاتها والغير لا وجود له إنه مجرد جسم

إن الفلسفة الديكارتية تتأسس على الأنا المفكرة القادرة على تحقيق وعيها بذاتها اعتمادا على الذات نفسها و دونما حاجة لمساعدة الغير، هذا ما تعلمنا إياه تجربة الشك التي يضع فيها الأنا نفسه في مقابل الغير من خلال الشك في هذا الأخير، و من خلال العزلة عنه. و من هنا يكون وجوده غير ضروري بل افتراضيا أو محتملا ما دام متوقفا على حكم العقل و استدلاله.ورغم أن ديكارت لم يتطرق للغير لفظا في متنه لكن الأنا أفكر عند ديكارت في تجربة التأمل المستقل لا تنظر للآخرين كأنوات بل مجرد أجسام متحركة حينما يطل ديكارت من شرفة النافدة عليهم ليراهم يتحركون.

مفهوم الغير: تقديم عام

ذ.الزاهيد مصطفى
تقـديم عام للمفهوم:
لقد أسست الفلسفات المعاصرة منظومة مفاهيمية جديدة، الوجود مع، الوجود من أجل الغير، الغيرية، إلخ.. يتعلق الأمر بالتنبيه لمسألة جوهرية: إن صعوبة معرفة الغير لا تنفي إمكانية جعله موضوعا للتأمل والتفكير، بل إن كل غياب للمسائلة بهذا الصدد، يعني التفكير بشكل عفوي والاختباء وراء تصورات مبطنة، تفسح المجال أمام الأوهام والأحكام المسبقة، أفلا يؤدي وهم معرفتنا بالغير في أحيان كثيرة إلى خلق حواجز تشوش علاقتنا معه؟

يستدعي التفكير في الغير والإعتراف به وتفهمه مفهوما مركزيا وهو الإختلاف، مادام الغير هو كل ما ليس أنا، وما لست إياه، حسب جون بول سارتر، وبالتالي فالغير ليس فقط أنا غيري بل أنا آخر يخترقني ويسلبني ذاتيتي الخالصة، لهذا وظفت الفلسفات المعاصرة مفهوما أخر جديد هو مفهوم البينذاتية /التذاوت، بحيث يبدوا الغير وجودا بين-ذاتيا، لكن صعوبة الإعتراف بالغير أحيانا تجعلنا ضمنيا ندرك أنها صعوبة في الإعتراف بحريته وهو ما يجعل قضية الغير قضية أساسية في الفلسفة سنقاربها من خلال  مجموعة المواقف الفلسفية.
1.دلالات مفهوم الغير:
1)                        من الدلالة العامية إلى الدلالة الفلسفية:
يحيل مفهوم "الغير" في التمثل المشترك على الآخرين بشكل عام، وهو ما يقابل الأنا أي ما يكون خارجا عنها، كما يشير إلى المختلفين عن الذات الفردية من الناحية الفزيائية، وقد يكونون أقارب أو أصدقاء أو خصوم، أو غرباء وأجانب، بينما في الدلالة المعجمية نجد أن مفهوم الغيرAUTRUIمشتق من الجدر اللاتيني ALTER الذي يعني الآخرL’AUTRE  ويتحدد معنى الغير  في هذا السياق ب:"الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام" والآخر هو "من ليس نفس الشخص، ما ليس نفس الشيء والمتميز والمختلف".
على مستوى الدلالة الفلسفية نجد تدقيقا لمفهوم الغير يفصله بشكل تام عن الأشياء "فالغير هو آخر الأنا، والذي ينظر إليه ليس بوصفه موضوعا بل بوصفه أنا آخر، أو كما يعرفه سارتر" الغير هو الآخر الأنا الذي ليس أنا"يشبهني في الخصائص الصورية التي تتحدد بها الأنا(الوعي/الحرية/الاستقلالية/المسؤولية/البعد الاخلاقي والقانوني).
ما نستنتجه من هذه الدلالات هو أن الغير هو في نفس الوقت آخر وليس آخر، الأنا الذي ليس أنا، أو أنا آخر مثلي، ومادام هذا الغير هو أنا آخر مثلي فإنه يستحق التقدير والاحترام مني لشخصه مادام غاية وليس وسيلة، لكن الأنا كما تم تحديدها فلسفيا مع الموقف الماهوي هي ذات عارفة تتمثل العالم وتؤسس حوله معرفة ووعيا  بطريقة مباشرة دون وساطة معينة، وهو ما يعني أن الأنا يمكنها الوعي بذاتها في معزل عن باقي الأغيار لكن الفلسفة المعاصرة أكدت ومنذ هيجل على أن الوعي بالأنا وبالذات لا يتم إلا بالمرور عبر وسيط الغير، وهو ما يجعل  وجود الغير ضروريا حسب هذا التصور لكن التصور الماهوي يرى أن الغير ليس ضروريا وهو ما يجعل ضرورة فحص مختلف الإشكالات التي نكون إزائها انطلاقا من هذه المفارقات:
2. الإشكالية الفلسفية لمفهوم الغير:
...فإذا كان الوجود البشري يقتضي التواصل بين الذوات، فكيف يمكن أن يتحقق هذا التواصل إن كانت معرفة الغير مستحيلة كجوهر صوري متعال على الإدراك الحسي؟ وهل المعرفة التي أكونها حول هذا الغير هي معرفة مطلقة وتامة ومحيطة بهذا الغير أم أنها مجرد ظنون وأوهام قد يساهم هذا الغير في خلقها لدي حتما حينما يقدم نفسه أمامي وفق ما يريده هو؟وعلى أي أساس يجب أن تقوم العلاقة مع الغير؟ هل على أساس الاحترام والتواصل والصداقة من أجل تأسيس مجتمع يسوده السلم والتسامح أم على أساس العداء المؤدي الى الحرب والعنف؟

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

قيمة الشخص: إيمانويل كانط/جورج غوسدروف/يورغن هابرماس/كارل ماركس

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم عام للمحور:
إن المتأمل لهذا العالم يلاحظ بأنه يمكننا أن نستخدم جميع الأشياء في هذا العالم، انطلاقا من النبات إلى الحيوان دون أن يصدر عن هذه الأخيرة أي رد فعل خاص بها مادامت عبارة عن أشياء أو موجودات تتقبل طبيعتها بشكل تلقائي، لكن على خلاف ذلك فالكائن الحي ينفي ويرفض أن يوظف مثل باقي الأشياء في الطبيعة، لذلك نجده يطالب بضرورة احترامه وتقديره.

إن هذا المطلب الذي يرفعه الكائن الحي ضد باقي الأغيار والذي يوحي بأن هذا الكائن حامل لقيمة ما تجعله يرفض أن يعامل مثل موجودات الطبيعة كما يقول هيغل في كتابه"الإستطيقا" هو ما أعطى المشروعية للفلاسفة لكي يسائلوا الأساس الذي يبني عليه الكائن الحي هذا المطلب الذي يلخص في ندائه الدائم"احترموني فلست شيء أو بضاعة". فمن أين يستمد الشخص قيمته؟ هل انطلاقا من كونه شخصا مالكا للوعي والفكر والحرية والأخلاق والحقوق أي باعتباره غاية في ذاته أم من كونه وسيلة يمكن توظيفها لأجل غايات أسمى منه؟(مثلا ما تقتضيه مصلحة الدولة في علاقتها بالجندي).
الإشتغال على نص بديل داخل الفصل لإمانويل كانط /مقتطف من كتابه تأسيس ميتافزيقا الأخلاق
  الأفكار الأساسية للنص:
يرفض إمانويل كانط النظر للإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة لأننا بهذه النظرة نكون قد حططنا من قيمته وجعلناه شبيها بالحيوان.
ينتقل إمانويل كانط ليبين لنا جوانب القصور في التصور الذي يقيم الإنسان من خلال امتلاكه لملكة الفهم(القدرة على إنتاج المعرفة وتنظيم معطيات الحساسية/التجربة) ويرفض كانط أن ننظر للإنسان باعتباره ذاتا عارفة لأن هذا التصور سيجعل من الإنسان بضاعة ويضرب في العمق مبدأ المساواة بين الناس.
يبين كانط أن ما يسمو بقيمة الإنسان عن الأشياء هو النظر إليه باعتباره شخصا أي ذاتا أخلاقية حاملة لعقل عملي/أخلاقي، ومالكا لكرامة تجعل منه غاية في ذاته وليس وسيلة يمكن استخدمها من طرف أي ذات حسب رغباتها و مصالحها.
تصور امانويل كانط : الشخص غاية في ذاته
يوجه إيمانويل كانط في كتابه "تأسيس ميتافزيقا الأخلاق "للتصورات الأخلاقية العرفية القائمة على العادة والعرف لأنها تحدد قيمة الإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة، وهو ما يحط من قيمته ويجعله شبيها بالحيوان كما يوجه نقدا للتصورات المعرفية التي تنظر لقيمة الإنسان انطلاقا من كونه مالكا لملكة الفهم، أي ذاتا عارفة قادرة على إنتاج المعرفة وتنظيم معطيات التجربة لأن تقدير الإنسان واحترامه فقط لكونه قادرا على إنتاج المعرفة سيجعلنا نخل بمبدأ المساواة في النظر للإنسان وهو ما سيجعل منه سلعة قابلة للتقويم بسعر من الأسعا، ولم يقف إمانويل كانط عند هذا الحد، بل وجه نقدا لاذعا للتصورات النفعية التي تنظر للإنسان من زاوية المنفعة والمصلحة التي يمكن أن يقدمها للذات، ويطرح لنا كانط تصورا بديلا يمكنه أن يسموا بالإنسان على الأشياء والحيوانات، فحين ننظر للإنسان باعتباره شخصا أي حاملا لعقل أخلاقي/عملي يمكنه حينها وفقط أن يستمد قيمته انطلاقا من كونه غاية في ذاته وليس وسيلة قابلة للاستخدام من طرف أي ذات حسب مصالحها ورغباتها، فالنظرة للإنسان باعتباره شخصا، تجعلنا نقدره ونحترمه باعتباره حاملا لكرامة غير قابلة للتقييم بسعر، وأي حط أو اعتداء على كرامة الإنسان هو اعتداء على الإنسانية جمعاء وهو ما يؤكده كانط بقوله في كتابه "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق":"عندما نعتبره شخصا، أي كذات لعقل أخلاقي عملي، سنجده يتجاوز كل سعر.وبالفعل لا يمكن أن نقدره بوصفه كذلك أي بوصفه شيئا في ذاته-كوسيلة لتحقيق غايات الآخرين أو وسيلة لتحقيق غاياته الخاصة-، بل يمكن تقديره كغاية في ذاته. وهذا يعني أنه يمتلك كرامة،وبامتلاكه لهذه القيمة يرغم كل الكائنات العاقلة الأخرى على احترام ذاته".
  البنية الحجاجية للنص:
انسجاما مع روح الخطاب الفلسفي باعتباره خطابا حجاجيا أسس إمانويل كانط لأطروحته بالإنطلاق في بداية النص من عرضه للتصور العرفي الذي ينظر للإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة ويتمثل ذلك في قوله"يعتبر الإنسان داخل نظام الطبيعة-كظاهرة من ظواهر الطبيعة وكحيوان عاقل-كائنا غير ذي أهمية قصوى"فإمانويل كانط من خلال توظيفه لأسلوب العرض في بداية النص يهدف إلى توضيح حدود التصور  العرفي الذي يحصر الإنسان داخل الزاوية البيولوجية وهو ما يحط من قيمته، لكن إمانويل كانط لايكتفي بالعرض بل يوظف الاستدراك الذي يتغيى من خلاله عرض وجهة النظر المعرفية التي تقيّم الإنسان باعتباره ذاتا عارفة وهو ما يجعله شبيها بالسلعة المعروضة في السوق ويبدوا ذلك واضحا في قول كانط" لكن إضافة إلى امتلاكه ملكة الفهم-الشيء الذي جعله يسمو على جميع الكائنات الأخرى، وقادرا على تحديد غايات لنفسه-لايكسب بذلك إلا قيمة خارجية نفعية"، وبعد عرضه لكل هذه التصورات يستنتج كانط أن السمو بالإنسان باعتباره غاية في ذاته وليس وسيلة رهين بالنظر إليه باعتباره شخصا، حاملا للإنسانية في شخصه وهو ما يبدوا واضحا في قوله"وهكذا تكون الإنسانية التي تكمن في شخصه موضوع احترام يمكنه أن يلزم به كل الآخرين .
تصور جورج غوسدروف:الشخص يستمد قيمته من المشاركة والتضامن
ينطلق غوسدروف في تصوره لقيمة الشخص من إعادة النظر في جميع التصورات الفلسفية  والسياسية للقرن الثامن عشر وخاصة التصورات اللبرالية التي ركزت على إعطاء قيمة للفرد على حساب الجماعة، هذه النزعة الفردية التي كان تقديسها يخفي أبعادا ايديولوجية غايتها الدفع بالفرد لكي يتحرر من كل التزام أخلاقي تجاه المجتمع، مفكرا فقط في مصالحه وأهدافه الشخصية، وعوض ذلك يؤكد غوسدروف على أن ما يميز الشخص الأخلاقي هو القدرة على الوعي بوهم الفردانية الذي تسعى الأنظمة الليبرالية تكريسها والإتجاه نحو الإندماج والمشاركة مع الآخرين في بناء عالم يسوده التضامن بين جميع أفراده، وعلى هذا الأساس تصبح قيمة الشخص مرتبطة بقدرته على التعبير الفعلي والعملي في الواقع عن تضامنه ومآزرته والتزامه تجاه الآخرين أخلاقيا وسياسيا من أجل تحرير العالم من الأوهام التي ترغب الرأسمالية في تكريسها عن طريق مختلف وسائلها الإيديولوجية وفي هذا الصدد يقارن بين الفرد الذي يعيش أوهاما باعتقاده "أنه امبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة". إن الشعور الأخلاقي يفرض حسب غوسدروف،الإيمان بأن العالم ليس فضاء للذات وحدها، وإنما هو فضاء لتلاقي ذوات كثيرة، تتعاون جميعها من أجل الوصول إلى غاية واحدة، وهي خدمة القيم الإنسانية النبيلة والعف في مقابل ذلك عن كل فكر أناني ومتوحش".
يورغن هابرماس:الشخص يستمد قيمته من قدرته على التبرير العقلاني لأفعاله
يدافع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس في  كتابه "أخلاقيات المناقشة" على أن قيمة الشخص/الفاعل لايستمدها في عالم مابعد الدولة-الأمة من انتمائه الجغرافي أو السياسي أو الديني أو العرقي  أو من مكانته الإجتماعية، بل من قدرته على تبرير أفعاله الأخلاقية والسياسية والإقتصادية تبريرا عقلانيا لباقي الذوات التي يتقاسم معها الفضاء العمومي، إن هابرماس ينطلق من نقده الشديد للشخص الأخلاقي المستقل الذي يشرع لأفعاله الأخلاقية بمعزل عن باقي الذوات كما هو الأمر في التصور الكانطي، فالأخلاق غير كافية للنظر إلى الشخص باعتباره قيمة بل لابد أن يستمد الشخص قيمته من خلال القوانين التي يجب أن تقوم عليها دولة الحق والقانون، فالقانون هو الوسيط الوحيد الذي يجب أن يستمد الشخص منه قيمته في عالمنا اليوم. ومن قدرته على استخدام عقله استخداما نقديا في جميع المجالات العمومية دون أي تأثير من طرف السلطة.
كارل ماركس:الشخص مجرد وهم برجوازي ولا قيمة له في النظام الرأسمالي
ينظر كارل ماركس لقيمة الشخص من منظور طبقي محض، فالشخص عند كارل ماركس هو عبارة عن وهم برجوازي ولا يحمل أية قيمة في ذاته كما تصوره الفلاسفة بل يستمد قيمته في هذا النظام انطلاقا مما ينتجه، لكن رغم ذلك يعاني من أبشع أساليب الاستغلال مادامت وسائل الإنتاج في يد الطبقة الرأسمالية، ولكي تكون للأفراد  قيمة لابد من تحررهم عن طريق الوعي الحقيقي لجميع البروليتاريين بموقعهم الطبقي من وسائل الإنتاج، وبالتالي فالثورة هي الطريق الوحيد للقضاء عن ما يعوق تحرر الأفراد وبروز شخصياتهم، وبالقضاء على النظام الرأسمالي وبناء المجتمع الشيوعي سيصبح للفرد قيمة يستمدها من وجوده الواقعي في موقع يجعل منه مالكا لوسائل الإنتاج.

الشخص والهوية الشخصية:رونيه ديكارت/جون لوك/ارثر شوبنهاور

إذا كان الشخص نتاج ثقافي، يخترق تاريخ الإنسانية عموما وتاريخ الفلسفة على الخصوص، ولأنه كذلك فقد اعتبرت التربية العدة التي من خلالها يتجذر ويتطور مفهوم الشخص. علما أن الشخص هو تعبير ليس فقط عن انتماء للجماعة، ولكن عن تفرد خاص، ليس لأنه ضد الجماعة، بل لأنه يريد أن يكون متميزا داخلها، فبقدر ما أن الشخص نتيجة للتنشئة الإجتماعية، بقدر ما يرسم مساره الفردي والنفسي الخاص. إنه يصارع لا من أجل أن يوجد فقط، بل من أجل أن يفرض ذاته وسط عالم الآخرين،
ومن أجل أن يتحرر من كل السلط بما فيها سلطة فكره، فإذا كان مبدأ الهوية الشخصية من الناحية الإصطلاحية يقتضي أن يحقق الشخص نوع من التطابق الذي قد يفضي به إلى الإنغلاق على العالم لكي يحافظ على هويته لكن ضرورة "العيش بالمعية" تفرض نوع من الخروج من التمركز حول الذات لمشاركة الآخرين تجاربهم والانخراط معهم في بناء العالم، وفي هذا البناء يبني الشخص شخصيته ويكتسب هويته من تفرده عن باقي الأشخاص وشخصياتهم، فلا أحد ينكر أن الشخص يتعرض في حياته لسلسلة من التحولات، تسهم في إحداث تغيرات جذرية على مستوى جسمه، وفكره، لكن خلف ما يتعرض  لتبدل وتحول هناك عنصر ما يبقى دائما هو هو، أطلق عليه اسم" الهوية" ذلك أن ثمة عناصر لا يمكن أن يطالها التعديل وهي التي تعطي للشخص ذاتيه وخصوصيته.
على هذا الأساس نطرح الإشكال الآتي : ما هوية الشخص؟ ومن أين يستمد الشخص هويته هل من كونه جوهرا عاقلا ومفكرا وواعيا ومستقلا وأخلاقيا وحقوقيا  أم يستمدها من انتمائه الثقافي والسياسي و الإثني ومن مكانته ووظيفته الاجتماعية؟ بعبارة أخرى ما هو هذا الشيء الذي يظل ثابتا في الشخص والذي يستمد منه هويته مهما تغير دوره وانتمائه ووظيفته الاجتماعية؟هل هوية الشخص قائمة على المطابقة والتمركز حول  الذات أم هويته مستمدة من انفتاحه الدائم على العالم والآخرين؟.هل يكفي القول بمعيار الفكر والوعي والشعور والقدرة على التذكر كأساس للهوية الشخصية أم أن للإرادة   دور في تحديد هذه الهوية الشخصية؟
التصور الديكارتي:  هوية الشخص كامنة في كونه  جوهر مفكر

نظرا لتأثير الذي مارسته الثورة الكوبرينيكة على فكر رونيه ديكارت فهذا الأخير وجد نفسه في حالة من عدم اليقين والحيطة والحذر من التصورات الفلسفية الأرسطية، لكنه رغم محاولاته لقلب تاريخ الفلسفة وإيجاد أساس متين للحقيقة لا يطاله الشك فإن هذا المسعى قاده للارتماء في أحضان الإرث الأرسطي حينما ربط ديكارت هوية الشخص بمدى مطابقته لذاته وبقدرته على التفكير والوعي في استقلالية عن العالم وعن باقي الذوات، وبالتالي فالشخص لا يصير شخصا ولا يحافظ على ثباثه وهويته في الزمان  والمكان إلا إذا كان قادرا على استخدام فكره وعقله استخداما منهجيا وفي استقلالية عن العالم وباقي الأغيار، فمادام الجسم ليس سوى ألة حسب ديكارت فليس بإمكانه أن يكون أساسا لهوية الشخص رغم كون هذا الجسم مرتبط بالنفس عند ديكارت والتي يعتبرها ديكارت إلى جانب الجسم جوهرين متمايزين عن بعضهما، لكن الجسم يظل عبارة شيء كباقي الأشياء الموجودة في العالم في حين هوية الإنسان وجوهره هو كونه "أنا مفكرة" وجوهرا هو النفس متميز بالتفكير  والقدرة على الشك والإثبات والنفي وفي هذا الصدد يقول ديكارت"أنا أفكر،أنا موجود".
الموقف الفلسفي التجريبي:تحليل نص جون لوك من خلال الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة ص 15
  التعريف بصاحب النص:
جون لوك John Locke ولد سنة 1632-1704 وهو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي.

  أهم أعماله:

محاولة في فهم الإنسان
الحكومة المدنية

  البنية المفاهيمية للنص:

الشخص: كائن مفكر،عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها.
الشعور: هو القدرة على الإحساس و تعقل العالم الخارجي
الهوية الشخصية : وتحيل حسب لوك على ما يجعل الكائن هوهو عبر الزمان والمكان عبر الحاضر والماضي.
يتضح من خلال البنية المفاهيمية للنص أن جون لوك يربط بشكل وثيق بين هوية الشخص والقدرة على الشعور  بالعالم الخارجي.

  إشكال النص:
من أين يستمد الشخص هويته هل من كونه ذاتا واعية ومفكرة ومتأملة أم من كونها ذات لديها القدرة على الإحساس والشعور بذاتها وبالعالم المحيط بها؟
  الأفكار الأساسية للنص:
ينطلق جون لوك من تعريف مفهوم الشخص بكونه ذاتا مفكرة وعاقلة ومتأملة وقادرة على تعقل العالم باستقلال عن باقي الذوات، لكن هذا الفكر المميز للشخص يظل مقترنا وممتلئا بمعطيات الشعور(القدرة على الإحساس).
ينتقل جون لوك ليعطي مثالا يبين من خلاله الإرتباط الوثيق بين أحاسيس الشخص وبين معارفه، فلا يمكن للشخص أن يعرف حسب جون لوك إلا ما يمكنه أن يحس به.
ينتهي جون لوك إلى التأكيد على أن ما يكون الهوية الشخصية  للشخص هو قدرته على الإحساس والشعور والتذكر لتجاربه وإحساساته السابقة فليس هناك جوهر مميز لهذه الذات كل ما هناك هو قدرة الذات على الإحساس وتذكر تجاربها عبر الزمكان.

  الأطروحة:

في كتابه "محاولة في الفهم الإنساني" تعرض جون لوك لمسألة الهوية الشخصية حيث أكد على أن ما يحدد هوية الشخص هو قدرته على الشعور والإحساس بالعالم الخارجي، فليس هناك هوية ثابتة لدى الشخص ومعطاة بشكل قبلي بل الهوية هي ثمرة للانطباعات وأحاسيس وتجارب الذات التي لا يمكنها أن تعرف أي شيء عن نفسها بمعزل عن قدرتها على الإحساس، وبالتالي فما هو ثابث في الشخص هو تميزه بكونه قادرا على تذكر ما كان عليه في الماضي والحاضر، إذ هذه الذات تولد صفحة بيضاء وكل ما تعرفه لاحقا هو ما خطته التجربة والشعور.وعلى على هذا الأساس فالذاكرة ليست معطى فطريا بل هي بمثابة وعاء يملئ  ويشكّل بتجارب الشخص وأحاسيسه وأفكاره وتمتلاثه وتصوراته، وكل ما ظل هذا الشخص  قادرا على تذكر هذه التجارب والأحاسيس كلما حافظ على هويته وثباثه ووحدته في الزمان والمكان.
تحليل نص شوبنهاور  من خلال الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة ص 15
  الأفكار الأساسية للنص(عناصر الأطروحة)

ينطلق شوبنهاور في بداية النص من نفي أن يكون الجسم هو ما يحدد هوية الشخص لأنه مجرد عرض زائل ومتغير في حين أن هوية الشخص عند شوبنهاور مرتبطة بما هو ثابث في هذا الشخص مهما تغيرت أعراضه(الجسم/السن/الشكل/اللون...).
ينتقل شوبنهاور ليحدد مميزات الهوية ويحددها بما يحافظ للشخص على ثباته كما يوجه نقدا جذريا لفلسفات الوعي التي أكدت على أن هوية الشخص مرتبطة بقدرته على التفكير (الفلسفة الديكارتية)أو بقدرته على التذكر والشعور بالتجارب الماضية (الفلسفة التجريبية مع لوك)وكلها محددات معرضة للتلف والتحول ويطرح شوبنهاور عوض ذلك مفهوم الإرادة باعتباره هو ما يحدد هوية الشخص والوجود.
ينتهي شوبنهاور ليوضح أن فعل المعرفة لا يمكن أن يكون هو أساس هوية الشخص لأنه مجرد وظيفية من وظائف الدماغ التي قد تصاب بالتلف فهوية الشخص ليست قدرة على المعرفة أو الشعور والتذكر بل هي إحساس ترانسندنتالي يتعالى على التجربة والزمان المكان يدفع بالإنسان إلى أن يرغب ويريد أو لا يريد.
  الأطروحة:
يدافع شوبنهاور في نصه على أن أساس هوية الشخص لا يمكن أن يكون هو الجسم أو الجسد لأنه عرض متغير، كما ينفي أن تكون الذاكرة أو الشعور لأنها قدرات معرضة للتلف، كما ينفي أن تكون القدرة على إنتاج المعرفة هي ما يحدد هوية الشخص بل هوية الشخص عند شوبنهاور مستمدة من الإرادة باعتبارها ما يحدد هوية الشخص، والإرادة عند شوبنهاور لا تعني الفعل الواعي المسترشد بالعقل، بل هي إرادة الحياة التي تعبر عن نفسها كاندفاع أعمى لا عاقل نحو الحياة، فالإرادة عند شوبنهاور هي أن نريد وأن نرغب ومن ثم فالإرادة هي الرغبات والاندفاعات والميولات من كل نوع، وهي تمتد فيما وراء الحياة الواعية لتشمل أيضا الحياة اللاواعية والطبيعة اللاعضوية كذلك، والإرادة عند شوبنهاور ليست فردية بل هي تتعالى على العقل الفردي لتشمل السواد الأعظم لأنها ليست مرتبطة بالضرورة بذات عاقلة وواعية، بل هي ما يتعالى على المعرفة والوعي وفي هذا الصدد يقول شوبنهاور في كتابه العالم إرادة وتمثل: "فالإرادة تتجلى في قوى الطبيعة اللاعضوية كما هو الحال -على سبيل المثال- في قوة الجاذبية التي تجذب الحديد إلى المغناطيس والأرض إلى الشمس وتتجلى في الطبيعة العضوية  في كافة درجاتها بدءا من النبات حتى الإنسان الذي تقترن فيه الإرادة بالمعرفة والوعي، غير أن هذا لا يعني أن الإرادة في حالة الإنسان تصبح عاقلة، لأن عقل السواد الأعظم من الناس يكون تابعا لإرادته وفي خدمتها، فنحن لا نريد شيئا لأننا وجدنا أسبابا له، وإنما نجد أسبابا له لأننا نريده، وبوجه عام لم يتمكن أحد أن يقنع أحدا بالمنطق، أو بالعقل أو بالتصورات المجردة، فلكي يقنعه يجب أن يخاطب إرادته". ولا يستطيع التخلص من قهرية الإرادة حسب شوبنهاور إلا الفنان المبدع الذي يتحرر من الإرادة وقتيا أثناء رؤيته الإبداعية التي تصبح معرفة خالصة نزيهة ومتحررة من عبودية الإرادة، والزاهد القديس الذي يتحرر من عبودية الإرادة بشكل دائم من خلال وأد رغباته، إن الإرادة عند شوبنهاور تعبر عن نفسها بوصفها اندفاع أعمى لا عاقل نحو الحياة، من خلال كفاح أبدي وصراع لا يهدأ من أجل حفظ حياة الفرد وبقاء النوع، وهو كفاح وصراع لا يتوقف إلا بالموت ولكن الموت  لا ينهي معاناة وشقاء الإنسان(أو البشر) لأنه ينهي فحسب الإرادة كما تتجلى في الفرد ولكن الإرادة تواصل وجودها في النوع البشري ومن هنا فوحدها الإرادة ما يشكل هوية الشخص سواء كان فردا أو جماعة.

المحور الأول: ما الشخص؟

ذ.الزاهيد مصطفى
v                       ملاحظة مهمة:
لكي نجيب على الإشكالات التي طرحناها، وفيما يخص المحور الأول الذي يجب أن نكون دقيقين في تجاوز الخلط الذي يطال تناول هذا المحور في بعض الأحيان حسب التصنيف الذي قدم به في الكتاب المدرسي، يجب الانتباه أن التساؤل حول مفهوم الشخص تارخيا سابق على تحديد هويته الشخصية لذلك سنجعل تصور بليز باسكال هو نقطة الانطلاق لكي نؤسس عليها باقي التصورات:هل الشخص معطى طبيعي وقابل للإدراك والمعرفة كجوهر مستقل  أم أنه نتاج عملية بناء تتدخل فيه مختلف المؤسسات الإجتماعية؟


موقف  بليز باسكال / من خلال نص صفحة 14 من الكتاب المدرسي
الشخص جوهر لا يمكن معرفته:     
   ينطلق باسكال من طرح مجموعة من الأسئلة يميز من خلالها الشخص باعتباره جوهرا/نفساوالشخصية باعتبارها أعراضا ثانوية/جسم/صفات خارجية يتجلى من خلالها هذا الشخص لباقي الأشخاص، ومن هنا نجد مع باسكال أنه يصعب تحديد مفهوم الشخص لأن كل ما نعرفه هو أعراض خارجية لشخصية الشخص، فالشخص عند باسكال باعتباره "أنا" تتوارى خلف الشخصية التي ترى للعين و ينفلت من محاولاتنا لإدراكه و معرفته وكل ما يمكننا معرفته هو الصفات والسلوكات المميزة للشخص  والقابلة للزوال، وهنا نلاحظ التأثير الأفلاطوني في فكر باسكال الذي أقام هو أيضا تعارضا بين وحدة النفس ووحدة الجسم في محاورة فيدون فالنفس/الشخصباعتبارها جوهرا لا يعرف طريقه للخلاص إلا حين يتحرر من عوائق الجسد باعتباره عرضا زائل.إن الشخص عند باسكال جوهر لايمكن معرفته أو إدراكه.وهو ما بينه من خلال مثال النظرة التي أكد من خلالها أنها لا تمكنني من إدراك "أنا"الشخص ومعرفتها بل تضعني فقط أمام ما يتجلى منه وهو جسمه وسلوكاته وصفاته الخارجية، كما أعطى مثالين للحب الذي يتأسس على الجمال باعتباره عرضا أو على قوة الأحكام العقلية التي تظل فقط صفات قابلة للتلف والتلاشي . وبالتالي فما ندركه ونعرفه عن بعضنا البعض وفي بعضنا هو صفات معينة وليس الأنا كما تصورها ديكارت باعتبارها جوهرا متمايزا عن الجسم الذي سيظل عبارة عن آلة متغيرة لا يمكنها التعالي عن الزمان والمكان.
موقف  إميل دوركايم: الشخص باعتباره تجلي وبناء اجتماعي:
   ينطلق إميل دوركايم في كتابه"التربية والسوسيولوجيا" من نفي أي وجود للشخص الذي حددته المقاربة الفلسفية كجوهر متفرد ومتعال ومنعزل عن الواقع الإجتماعي، فعلى مستوى الإنسان ككائن حي يوجد كائنين"الأول يتكون من مجموع التجارب الذاتية الخاصة ويسمى الفرد والثاني هو عبارة عن نسق من الأفكار والمعتقدات الدينية والممارسات الأخلاقية والعادات الوطنية والمهنية والآراء الجماعية ويسمى الكائن الإجتماعي الذي يتشكل وينشئ عن طريق التربية، فالشخص ليس معطى جاهز يبنى في نوع من العزلة الأنطولوجية، بل هو نتاج وتجل لنظام التربية والتأهيل والتنشئة الإجتماعية، إن الشخص في العلوم الإنسانية مع دوركايم هو تجل اجتماعي.بعبارة أخرى فحسب دوركايم  لا نولد أشخاصا ولا وجود للشخص كجوهر مفكر ومتعال ومستقل كما تصورته الفلسفة الديكارتية لأننا حسب دوركايم نولد فقط عبارة عن كائنات حية(صفحات بيضاء بتعبير جون لوك) وعن طريق التربية والتنشئة الإجتماعية التي تتدخل فيها مجموعة من المؤسسات الإجتماعية من قبيل -الأسرة والمدرسة والإعلام والشارع- والتي تزودنا بقواعد السلوك واللغة والأخلاق والعادات والتقاليد لكي نصير أشخاصا في المستقبل، إننا لانولد أشخاصا بل كائنات حية(بيولوجية) وعن طريق التربية نصير أشخاصا حسب دوركايم.


مفهوم الشخص من التحديدات الدلالية إلى الإشكاليات الفلسفية

§ الزاهيد مصطفى
  تقديم خاص لمفهوم الشخص: 
       
    غالبا ما يتم الخلط في تناول الشخص بين مفهومين متقاطعين ومتباينين في الآن نفسه: يتعلق الأمر بمفهوم الشخص ومفهوم الشخصية، فإذا كان الحقل الإبستمولوجي الذي يؤطر مفهوم الشخصية هو العلوم الإنسانية بمقارباتها المتعددة، الأنثربولوجية، والسيكولوجية، والسوسيولوجية، فإن مفهوم الشخص تحديدا يحيل على المقاربة الفلسفية وما تتضمنه من أطروحات مختلفة ومتنوعة.

    إن التفكير في مفهوم الشخص، هو في الأصل تفكير في الإنسان، وتحديدا في معنى الشرط الإنساني، بما يحمله من مفارقات: المفارقة الأولى، هي أن الشخص كائن إنساني، أي كائن ليس كباقي الكائنات الأخرى. فالشرط الإنساني يعني من جهة أن الشخص لا يمكن أن ينفلت من كونه كائنا حيا، لكنه يحاول باستمرار أن يفرض البعد الآخر لشرطه الإنساني بما هو إنسان تحكمه لا الحاجات فقط، بل الرغبات والأهواء من جهة ثانية. فالشخص إذن تعبير عن كون الإنسان غير مكتف بذاته ولا بتكرارها، لذا فهو غير مطمئن لوجوده، إذ يسعى باستمرار إلى إنكار حيوانيته، بحيث عمل ويعمل جاهدا على تأصيل بعد أخلاقي نابع ومؤدي في الآن نفسه إلى هذه الإرادة العاقلة.
    المفارقة الثانية، هي أن المقاربة الفلسفية للشخص على اختلاف أطروحاتها، تسعى إلى  التأكيد على ضرورة الحذر من اختزال الشخص في الإنسان وما ينتج عن ذلك من إغفال لامتدادات الهوية، والحذر أيضا من اختزاله في الانتماء الثقافي والاجتماعي وما يستتبع ذلك من انغلاق وتمركز حول الذات، بهذا المعنى دأب الفلاسفة على مقاربة الشخص باعتباره قادرا على التفلسف والتأمل والنقد، وخلق مسافة بينه وبين ذاته، بينه وبين العالم، بينه وبين عالم الناس، لأنه حامل لوعي تفكيري، لكن الشخص لا يستطيع بتفكيره إدراك كل شيء ولا يستطيع بوعيه التحكم في كل شيء: إنها مفارقة الشخص الناتجة عن اللامفكر فيه واللاوعي. هاهنا يتجلى الشخص ليس كموضوع، بل كخلق ذاتي وكتجربة معاشة، إنه يتجاوز ما يعرفه عن ذاته، وما يمكن أن نعرفه عنه. إنه خلق مستمر ونفي لما توجد عليه الذات. في كلمة، إنه رهان.

1. مفهوم الشخص /الهوية/ الشخصية :من الدلالة المفهومية إلى الإشكالية الفلسفية:

§    الشخص:
    في القاموس المحيط تحيل دلالة الشخص على الظهور والارتفاع ويطلق على كل جسم/إنساني يرى من بعيد.
    أما في المعجم الفلسفي لصليبا نجد أن الشخص في عرف القدماء هو الفرد، وفي كتاب النجاة لابن سيناء يطلق لفظ الشخص على الصورة الإنسانية والماهية الإنسانية التي يعتبرها طبيعة مشتركة بين جميع أشخاص النوع" والشخص عند المنطقيين هو الماهية المعروضة لتشخصنات وقد غلب إطلاقها بعد ذلك على الإنسان، أي على الموجود الذي يشعر بذاته، ويدرك أفعاله، ويسأل عنها، وهو بهذا المعنى مقابل للشيء العيني الخالي من الفعل والإختيار وقد فرق العلماء بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي:
·    الشخص الطبيعي: Personne Physique  هو جسم الإنسان من حيث هو مظهر لذاته الواعية، ومن حيث هو تعبير عن هذه الذات.
·    الشخص المعنوي:Personne Morale هو الفرد من حيث اتصافه بصفات تمكنه من المشاركة العقلية والوجدانية في العلاقات الإنسانية، ومن شرط الشخص القدرة على التمييز بين الحق والباطل وبن الخير والشر، وأن يكون قادرا على التقيد بالعوامل التي تجعل فعله معقولا في نظر الناس.
في موسوعة لالاند الفلسفية نجد عودة إلى جنيالوجية للمفهوم الذي تشكل منذ اليونان انطلاقا من المسرح، فالشخص Persona اسم يطلق على  القناع المسرحي الذي يرتديه الممثل لأداء دور معين على الخشبة، نجد لدى لالاند أيضا تمييز بين الشخص المعنوي والشخص الطبيعي، فالأول يتحدد بالوعي والفعل الأخلاقي الحر والمسؤول والثانييحيل على الجسد الإنساني لكن الأهم عند لالاند أن هذا الجسد الإنساني يكون بمثابة تجسيد معنوي لهذا الشخص وهو المعبر عن سمته، فكلمة شخص حتى حين نطلقها بمعنى يشير للجسد لا يمكن قولها على جسم الحيوان فهي خاصة بالانسان، إن كلمة شخص بالعودة إلى المعنى المتداول لها في العصر الوسيط هي لفظ يطلق على الكائن الإنساني عندما يستوفي الدرجة الدنيا من التمييز الأخلاقي بين الأفعال الصادرة عن وعيه وردود أفعاله الغريزية، إن مفهوم الشخص في الفلسفة يستعمل بالمعنى الأجل عن الإنسان لما يتصف به من بعد أخلاقي في علاقته بذاته وبالآخرين.
§    الهوية:
    يعني مفهوم الهوية ما تقتضيه الضرورة المنطقية لكي تكون هناك قضية ما صادقة أو كاذبة،  ويقتضي مبدأ الهوية مبدأ التناقض ومبدأ الثالث المرفوع، فمبدأ التناقض يعني أن الشيء لايمكنه أن يكون موجودا وغير موجود في نفس الآن، وأما مبدأ الثالث المرفوع فيعني القول أن القضيتين المتناقضتين لايمكن أن تكونا صادقتين معا  أو كاذبتين معا، ومن شروط الضرورة المنطقية التي يعبر عنها مبدأ الهوية:1-أن يكون المعنى المتصور محددا وثابثا، فلا يتغير بحال/2-أن يكون الحق حقا والباطل باطلا دائما والأبيض أبيضا والأخضر أخضرا ...وفي مختلف الأحوال، فلا يتغيران بتغير الزمان والمكان/3-أن يكون الوجود بالحقيقة هو عين ذاته فلا يتغير، ولا يختلط به غيره. وهذا لا يصدق إلا على الموجود المثالي الذي يتجه إليه العقل (يقصد المفاهيم والتصورات وليس الأشياء المحسوسة).إن هوية الشيء هي خصائصه الثابتة التي لا تتغير مهما تغيرت أعراض وصور هذا الشيء، فهوية الشيء هي ماهيته وجوهره وحقيقته الثابتة.
§    الشخصية:
    يشير  لفظ الشخصية المشتق من المصدر "شخص" في لغة التداول اليومية على حكم قيمة نحدد من خلاله مكانة وقيمة شخص ما بالنسبة للآخرين، ويكون أساس هذا الحكم هو الإستناد إلى معايير مادية تجد أساسها إما في الجانب الجسدي أو اللباس أو الوظيفة التي يشغلها فرد ما في المجتمع( محام/وكيل ملك/قاض/ أستاذ/شرطي...) كما قد نقول في لغة التداول " هذا شخصية مرموقة /مشهورة...) ويكون هذا الحكم مؤسس على البعد الرمزي للفرد وعلى إشعاعه الثقافي أو السياسي أو الرياضي...أما الدلالة المعجمية فنجد في روبير Robertولالاند lalandeومعجم larousseأن هناك اتفاق على أن للشخصية معنيين أساسيين: "معنى مجردا وعاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا أخلاقيا أو قانونيا مسؤولا" ومعنى محسوسا يكمن في ما يمثله الشخص من خاصيات أخلاقية سامية، يتميز بها عن مجرد الفرد البيولوجي وتشكل العنصر المنظم والثابت في سيرته وما هو عليه عادة مما يميزه عن غيره ليشكل الجانب الأصيل من أناه"، فإذا كان المعنى الأول، المجرد، يؤكد على أن الشخصية هي خاصية كل كائن بشري من حيث هو شخص مسؤول أخلاقيا وقانونيا، بقطع النظر عن مكانته الاجتماعية، فإن المعنى الثاني، المحسوس، يؤكد على طابع الخصوصية الذي يميز شخصية كل فرد بحسب ما ينفرد به كشخص إزاء الغير.
§    مفارقات :
    ما يمكن الخلوص إليه من هذه التحديدات هو أنه إذا كان مفهوم الشخص يحيل على الذات الواعية والحرة والأخلاقية والمسؤولة باعتبار هذه الأبعاد هي  ما يحدد هوية وماهية وجوهر الشخص فإن الشخصية تغدوا آنئذ هي المظهر الخارجي الذي يعبر عن كيان الشخص، بإيجاز إن الشخص هو جوهر داخلي في حين أن الشخصية هي نافدة هذا الجوهر على العالم والآخرين.
    من خلال تحديدنا لمختلف الدلالات التي تحيل عليها المفاهيم المرتبطة بالشخص يمكن أن نلاحظ :
ü الدلالة اللغوية للشخص تعطيه بعدا ماديا يرتبط بالظهور والبروز للعيان، وهنا نكون أمام تصور للشخص  يحصره في مستوى الجسم الشاخص(الظاهر والبارز) أمام العين المجردة.
ü في الفلسفة الإسلامية والمسيحية ينظر للشخص على أساس تيولوجي(ديني) فكلما كان الشخص أكثر امتثالا لتعاليم الدين الإسلامي أو في المسيحية (الدين المسيحي) كلما نظر إليه باعتباره نموذجا للشخص الذي يحتدى.
ü في الدلالة اللاتينية نلاحظ تحولا في المعنى الذي يشير إليه مفهوم الشخص فلم يعد مرتبطا بالجسم بل بالدور (الوظيفة ) الذي يؤديه على خشبة المسرح وعلى مسرح التاريخ والمجتمع.
ü في الدلالة الفلسفية يصبح شرط الوعي والحرية والتمييز الأخلاقي بين الخير واحترام القانون والبيئة (الشخص الايكولوجي) هو ما يعطي للشخص هويته وقيمته.
ü نلاحظ أن مفهوم الشخص يتداخل مع مفهوم آخر أساسي هو الشخصية، فإذا كان الشخص هو جوهر  مفكر وذات واعية وحرة ومستقلة وأخلاقية فإن الشخصية هي التعبير الخارجي عن هذا المضمون "الهووي/الجوهري" لأنها مجموع المميزات والصفات التي تميز هذا الشخص باعتباره "أنا" واعية ومفكرة وحرة ومستقلة وأخلاقية و حقوقية وإيكولوجية، ومن هنا تطرح صعوبة تحديد هوية الشخص: هل هي مجموع الصفات والمميزات الخارجية التي نجدها متغيرة من شخص لآخر أم هي الجوهر الداخلي الواعي الذي يصعب علينا إدراكه أو معرفته لكونه محجوبا علينا من طرف القناع(الشخصية) الذي يقدم به الشخص ذاته للعالم والآخرين؟
ü نلاحظ كذلك أن مفهوم الهوية الذي يحيل على التطابق: يضعنا أمام مفارقات عديدة فمن جهة يعتبر الشخص وحدة صورية ميزتها الفكر والوعي والفعل الأخلاقي الحر والمستقل عن أي إرادة خارجية ومن جهة نجد مجموعة من السلوكات التي يعبر فيها الشخص أحيانا بجسده  وأفعاله وسلوكاته هي ما يحدد مكانته وقيمته داخل المجتمع، فمن جهة يعتبر الفكر والوعي والحرية مفاهيم صورية مجردة في حين تعتبر الأفعال والسلوكات وقائع مادية ملموسة، فأين توجد هوية الشخص هل في عالمه الصوري الخالص البعيد عن باقي الذوات وهو عالمه الداخلي الذي يفكر فيه بمعزل عن الآخرين أم أن هويته مستمدة من جملة الأفعال والسلوكات  التي يعبر بها في الواقع المعيش والتي تكوّن على العموم شخصيته؟.
ü يتبين من خلال ذلك أيضا أن وحدة الشخص تفرض نوعا من العزلة الأنطولوجية(الوجودية) لكي يمارس الشخص قناعاته، لكن ضرورة "العيش بالمعية"مع الآخرين تفرض على هذا الشخص أن يغير ويكيف من تصوراته وسلوكاته مع ما يقبل به المجتمع وما يسمح به القانون، وفي هذا الصدد تصبح حرية الشخص واستقلاليته محط منازعة بين ما يرغب فيه ويريده الشخص وبين ما يتيحه ويسمح به المجتمع، ففي هذا السياق يصبح سؤال الحرية والضرورة مطلبا للفحص الفلسفي لكي نرى إلى أي حد يمكن للفرد أن يحقق حريته في ظل نسق من العلاقات الإجتماعية التي تمارس نوعا من الإكراه عليه؟ فإذا لم يكن هذا الشخص حرا ومستقلا بذاته فعليه الاستقالة من أي فعل أو التزام أخلاقي تجاه المجتمع والتاريخ أما إذا كان حرا فهذا يعني أن إمكانية الفعل والإلتزام متاحة وممكنة؟
    إنطلاقا من هذه المفارقات الفلسفية التي تضعنا أمامها الدلالات اللغوية واللاتينية والفلسفية لكل من مفهوم الشخص /الهوية/الشخصية يمكننا صياغة الإشكاليات الفلسفية المرتبطة بمفهوم الشخص:


§    الإشكالية الفلسفية لمفهوم الشخص:
    ما الشخص؟ وما هويته الشخصية ؟ هل يستمدها من كونه  جسم وسلوك  وفعل ودور يقوم به في الحياة؟ أم هويته الشخصية هي  جوهر و وعي وتفكير وحرية واستقلالية عن الآخرين؟بعبارة أدق ما الواقعة التي تسمح للشخص أن يظل هو نفسه رغم التغييرات التي قد تطاله خلال مسيرته الحياتية؟ ومن أين يستمد الشخص قيمته؟ هل من مطابقته وانغلاقه واستقلاله عن العالم؟ أم من خلال انفتاحه والتزامه الأخلاقي الدائم تجاه العالم والآخرين؟وهل الشخص حر في سلوكاته وأفعاله وأفكاره أم مجبر بحتميات (نفسية واجتماعية وثقافية )تحدد وتقيد فعله والتزامه تجاه المجتمع وحركية التاريخ؟.