الخميس، 24 مارس 2016

في الحاجة إلى الفلسفة اليوم موضوع يوم دراسي وطني بمدينة سوق السبت/تقرير عام

أعد التقرير:  الأستاذ مصطفى الزاهيد
مراجعة: رشيد العلوي المفتش المنسق الجهوي لمادة الفلسفة – جهة بني ملال خنيفرة

       نظم أساتذة الفلسفة بالمنطقة التربوية بسوق السبت يوم 12 مارس 2016 احتفالا باليوم العالمي للفلسفة بشراكة مع الإدارة التربوية وجمعية أباء وأمهات وأولياء التلاميذ، يوماً دراسيّاً وطنيّاً تحت شعار "هل نحن في حاجة إلى الفلسفة؟" حضره مجموعة من الأساتذة والطلبة والمؤطرين التربويين من مختلف أنحاء المغرب، وبعد الترحيب الرمزي بالورود الذي استقبل به تلامذة الخوارزمي ضيوف هذا اللّقاء التاريخي في سوق السبت، معبرين بذلك على المكانة التي يجب أن يحتلها رجال الفكر والثقافة.

1 - جلسة الافتتاح:
     انطلقت أشغال هذا اللقاء بترحيب السيد مدير ثانوية الخوارزمي موحى سابيكبكل الضيوف معبرا في كلمته على اعتزازه بهذا النشاط الذي يشرف المؤسسة أولاً والمدينة ثانياً والجهة ثالثاً شاكرا اللجنة المنظمة، معتبرا أن هذا النشاط هو تكريس فعلي وحقيقي لربط المؤسسة بمحيطها، وتمرين حداثي على النقاش العمومي حول القضايا التي تهم الجميع.

       وفي كلمته ركز السيد المدير الإقليمي حماذي طويف بعد شكره للجنة المنظمة وللسيد المؤطر التربوي رشيد العلوي، على هذا اليوم الدراسي واصفاً إياه بالتاريخي بالجهة قائلاً "لايمكننا أن نتعلم دون أن نتفلسف" لأن الفلسفة كانت ولاتزال هي النور الذي وجه الإنسانيّة والإنسان في كل عصور الظلمات وهي الفكر الوحيد الذي يمكنه أن يمدنا بكل العدة المعرفيّة والنقديّة التي تجنبنا العنف، وتعزز التسامح والحوار والتعايش، وفي نفس السياق ألقى السيد رشيد العلويكلمة رحب فيها بالحضور ومنوها بالجهود التي بدلتها اللجنة المنظمة والتي كان ينسق أعمالها مشددا أن الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة هو فرصة للالتقاء بالروح الهيجيلية التي تنمو ويجب الدفع بها نحو الاكتمال كما أنه انخراط عمومي ومسؤول من طرف بعض أطر وكفاءات المدرسة العموميّة في قضايا المجتمع واحتضانها، وهو ما سيعززه السيد مدير الحياة المدرسيّة و الأنشطة التربويّة السيد عبد الرحمان الغزلاني الذي ألح على أن المدرسة العمومية في حاجة إلى هذا النوع من المبادرات والتي هي بمثابة تكوين مستمر للمدرسين وفرصة لتبادل الأفكار وتعزيز وعي التلميذ بأهمية الحوار وبضرورة الفلسفة وأن هذا النقاش هو استمرارية للدينامية التي أعطاها السيد رشيد العلوي منذ التحاقه مؤطرا تربويا بالجهة ويشهد له بذلك إشرافه على تنظيم الأولمبياد الجهوية للفلسفة، أما كلمة اللجنة المنظمة فقد ألقاها الأستاذ عبد الله الحلوي مؤكدافيها أن التفكير في الحاجة إلى الفلسفة تفكير في الراهن وضد الراهن الذي يطبعه الشر والابتذال والعنف على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما عززه منسق اللجنة المنظمة الأستاذ مصطفى الزاهيد مبينا أن هذا اليوم هو كذلك تصحيح للمسار الكارثي الذي عرفته الفلسفة بالمدينة وبالجهة على يد أعدائها من الداخل والمتاجرين بها، وهو كذلك تصحيح لصورة الفلسفة لدى الرأي العام المحلي والجهوي و الوطني حول الفلسفة،  خاصة بعد الهجمات التي شنتها العديد من القوى المتاجرة بالدين على هذا الفكر العقلاني  معتبرة إياه  إلحادا حسب تعبيرها وهي هنا تخفي تخوفها من هذا الفكر لأن انتشاره يؤدي إلى اندحارها وانحصار دروشتها وتجارتها الدينية، و يأتي هذا اليوم كذلك ليصحح هذه الصورة مؤكدا أن الفلسفة هي اهتمام بالإنسان وبكرامته، وهي تفكير في المبادئ الكبرى التي يمكن للعيش بالمعيّة أن يقوم عليها بين جميع المختلفين في الرأي والمعتقد والطبائع داخل الدولة ... والهدف الثالث هو وضع أفضل الخيارات أمام الجمهور والرأي العام وأمام تلامذتنا وهو خيار التنوير الذي يقتضي التحرر من الخوف بجميع أشكاله وخاصة عنف الآخر والغير كيفما كان نوعه أو لونه أو معتقده أو ثقافته،  ثم الإيمان والتحرر من الوصاية بجميع أشكالها سواء كانت دينية آو سياسية أو ثقافية والخضوع فقط لسلطة الإرادة ولصوت العقل واحترام القانون الذي نتعاقد عليه جميعا، وفي الأخير التحرر من الخوف وامتلاك الجرأة على التفكير الذي يجب أن يكرس بوصفه حقا أخلاقيا ودستوريا مكفولا للجميع داخل الدولة.

2 - الدرس الافتتاحي:
     بعد الترحيب بالضيوف تم افتتاح اليوم الدراسي الوطني  بإلقاء أول درس افتتاحي في الجهة حول الحاجة إلى الفلسفة من طرف المفكر المغربي سعيد ناشيد وفيه قدم المفكر سعيد ناشيد عرضا موجزا حول الفلسفة تفاعل معه الحضور، حيث انطلق من أننا في حاجة إلى الفلسفة لأن العقل بطبيعته ميال إلى النوم والكسل والجبن إذا لم توجد هناك قوة ما تحركه، وبالتالي فوظيفة الفلسفة هي إكساب المواطن القدرة على التفكير، لأن المواطن الذي لايملك القدرة على التفكير لا يكون مواطنا بالمعنى الفلسفي والسياسي لمفهوم المواطنة الإيجابية، بل سيكون خطرا على الأمن العام وهكذا قدم للجمهور الحاضر  تاريخ الفلسفة من خلال ثلاثة خطوط متوازية:
الخط الأول: فن التفكير وغايته تنمية القدرة على التفكير ونتلمسه من خلال مفاهيم العقل، المنهج، الشك، التفكير، النقد، وقد ولد العقل النقدي حسب المفكر سعيد نشيد مع سقراط وكان إعدامه محاولة لإعدام كل صوت يزعجنا ويحرك بديهياتنا ويدفعنا للشك في مسلماتنا، فهذا الخط في تاريخ الفلسفة وهو فن التفكير ينطلق من مسلمة أن قدرة الإنسان على التفكير هشة ومعرضة للمخاطر، فالعقل بطبيعته ميال للنوم والتصديق والتسليم لذلك يحتاج للوخز وهذا هو الدور الأساسي للفلسفة.
الخط الثاني:فن العيش فهو تفكير في الحياة وينطلق من أن القدرة على التفكير مرتبطة بالقدرة على تحرير الطاقات الحيوية المضمرة في الإنسان والاستمتاع بالحياة.
الخط الثالث:فن العيش المشترك وهو تفكير عبر تاريخ الفلسفة في الدولة والسياسة والهوية والآخر.

3 - الجلسة الصباحية:
تم استئناف أشغال هذا اليوم بافتتاح الجلسة الأولى التي ترأستها الأستاذة والمؤطرة التربوية مليكة غبار والتي تم تكريمها رمزيا بالمناسبة على ما أسدته من خدمة للدرس الفلسفي المغربي تدريسا وتأطيرا وتأليفا، وقد أعطيت الكلمة للأستاذ المعانيد الشرقي الذي ألقى مداخلة حول نتشه بعنوان "الفلسفة كعلاج"قارب فيها الدور العلاجي للفلسفة، فنيتشه من خلال فكره المتمرد على النسقية شكل فلسفة مخالفة لما دأب القدامى عللي وصفه بالفكر الميتافيزيقي، وهو بتبنيه للمنهج الجينيالوجي الذي استعمل فيه المطرقة أداة لم يعتبر مهمتها الهدم فقط، و لكن جعل لها مهمة أخرى تتمثل في كشف المرض، بهذا تصبح الفلسفة مطرقة طبيب مشخص للأمراض على اختلافها و تنوعها، مرض الثقافة، مرض التاريخ، ثم مرض البيولوجيا...بهذا سيكون من خلال فلسفته مخلصا للإنسانية من صناعة أمراض جديدة. فكيف يمكن للفيلسوف الطبيب أن يكون طبيبا للمجتمع؟
ألقى الأستاذ الحسين المعطاوي من ثانوية 30 يوليوز التأهيلية مداخلة بعنوان "الإرهاب الإسلام أم الغرب؟ عرض فيها الأطروحات الفلسفية التي تحاول اليوم أن تقارب موضوع الإرهاب، فهناك من يعيد الإرهاب إلى النصوص الدينية، وقد بين الأستاذ المحاضر أن لهذا التصور مبرراته لكن هناك تصورات فلسفية أخرى كالتصور الذي طرحه جان بودريار وجاك دريدا وهابرماس، يعيده إلى عوامل تاريخية وخارجية مرتبطة بالتناقضات التي تعتمل داخل الرأسمالية، فالإرهاب ليس مرتبطا بالأديان فقط، بل بكل السياقات الحضارية وبكل فعل يلحق الأذى والخوف بالآخرين فهو إرهاب، وقد طرح الأستاذ العديد من الأسئلة الفلسفية المحرجة من قبيل:يكفي أن نلصق الإرهاب بالأديان أم أن الإرهاب ظاهرة تاريخية ارتبطت بالاستعمار الانجليزي والفرنسي والأمريكي وبالفتوحات الإسلامية وباستعمار العثمانيين لأوروبا وأثينا لاسبرطة؟وهو النقاش الذي سيستأنفه الأستاذ رضوان أيار الحاضر من الفقيه بن صالح بمداخلة بعنوان "الفلسفة تفكير في الخلاص و التعايش"،ما جدوى الفلسفة إن لم تعلن عن موقف واضح من تفاصيل عالم يعيش فوضى السياسة و فوضى القيم، و كل هذا العبث و القتل اليومي باسم المقدس الديني؟ و لم يصلح مدرسوها و معلموها إن لم يرسموا في الواقع و في حصصهم و حصصها الحد الفاصل بين العقل و التعقل و العقلنة، و بين الظلامية و العنف؟ ما جدوى الفلسفة إن لم تساهم في ردم الهوة بين الدين و الفضاء العام، حتى يتسنى للجميع أن يعبر عن موقفه دون محاكم تفتيش؟هي محاولة للتفكير في تعايش ممكن بين "المواطنين" كيفما كانت مرجعياتهم ترعاه الفلسفة  حسب الأستاذ رضوان آيار،بينما الأستاذ سعيد السليماني ففي مداخلته الموسومة ب"علاقة الهوية بالعنف تصور أمارتيا صن نموذجا" والتي حاول فيها أن يعالج أسباب العنف وطغيان نظرية الصراع على نظرية الوئام والمحبة والسلام، فبنظر الباحث سعيد السليماني أصبح لزاما أكثر من أي وقت أن نبحث في عمق المشكلة وصولا إلى الأسباب الكامنة وراء حدوث الظاهرة، ولن يتمكن الباحث من ذلك إلا عندما يستند إلى عمالقة الفكر الإنساني المستنير. وعليه، فإن مداخلة الأستاذ حاولت طرح  إشكال مفاده:  هل للهوية دور في إذكاء شرارة العنف الكوكبي؟من خلال معطيات كثيرة مستندا  في ذلك إلى تصور لأبرز مفكري الهند "أمارتيا صن" الذي شرب من فكر "المهاتما غاندي" صاحب أطروحة "اللاعنف"، أن "الهوية" يمكن أن تكون مصدر إثراء وإغناء كما أنها قد تصبح مصدرا للعنف والقتل عندما تنغلق وتتفرد.وعليه، فإن مشكلة العنف والتعصب التي نعانيها اليوم ترجع إلى استشراء الهويات الضيقة واتخاذها وسيلة للانعزال عن الآخرين واستخدامها سلاحاً في حروب يشعلها الطامعون في الزعامة والنفوذ.في هذا المنحى سيعمل الأستاذ نوردين بلفقير على توجيه مسار النقاش نحو الواقع اليومي متسائلا حول إشكالية  الحاجة إلى الفلسفة اليوم إذا ماصغناها على شكل سؤال نطرحهُ في الشارع على المارة :"هلْ نحن في حاجةٍ إلى الفلسفة اليوم؟ "، فمن المُحتمل جدا  أن نجد الجواب ب "لا  " عند من يجهلُ معنى الفلسفة، أو عندَ من دخلَ في دوامةِ التكنولوجيا التي هيمنت على حياتنا حتى أصبح يعْتقد أنها هي من يفكر بدلنا، و من المُحتملِ أيضا أن نجد الجواب بنعم عندَ من يسيرُ في سياق الدوكسا حاليا فيجيب ُ بأننا نعم في حاجةٍ إليها،و لكن حينما نتساءلُ عن مايُدعم رأيه هذا، سنجدُ أنهُ يستندُ على ما تُروجُهُ  بعض البرامج أنها حلٌّ لخَطر الإرهاب و أننا اليوم في حاجةٍ إلى التفاهم و الوئام و التسامح و غيرها . و هذا صحيحٌ فعلا، لكنْ هل الحاجةُ إلى الفلسفةُ هي حاجةٌ فقط إلى دور الإطفائي؟ هل دورُ الفلسفة ِ أن تأتي في آخرٍ لحظةٍ بعدَ أن تؤزم السياسةُ الواقعَ، لتبحثَ لها هي عن مَخرجٍ أم أن دور الفلسفة دورٌ محايثٌ لحياتنا و من المفروض أن تُوَجهنا و تُوَجِّه ُالسياسةَ نفسها؟، فمتى كانَ الفيلسوفُ مجرّدَ تابعٍ فقط ؟ أليس الوضعُ الأنسبُ للفيلسوف هو أنْ يكونَ متبوعاً بدل أن يكونَ تابعا؟ وبالتالي فأفق الفلسفة سيكونُ هو  الحوارُ الذي نريدهُ داخلَ الفلسفة أو الذي تعتمد عليه هذه الأخيرة  هوَ حوارٌ نابعٌ منْ هَذِه الازدواجية . أي ازدواجية الجسد و الروح ، فنرى أن أي إخلالٍ بقيمةِ أحدهما سواءٌ من طرف هيئةٍ أو فرد أو جماعة أو نظام دولةٍ ما ،فإنما هوَ إخلالُ بالذات الإنسانية في جميع أبعادها ، و أن المسَّ بأي حقٍّ من حقوق الشخص المرتبطة بجسده أو روحه هو مس بحقوقه جمعاء، وانخراطا في التأمل الجماعي في سؤال الحاجة إلى الفلسفة سينخرط بنا الأستاذ رشيد الحسيني في مقاربة إشكالية الهوية في سرديات مابعد الكولونيالية انطلاقا من نظريات ادوارد سعيد و "هومي بهابها" التي تؤسس لتحليل الخطاب الاستعماري  باعتباره خطابا مقصديا، تهيمن فيه الميثولوجيا البيضاء على الفكر العالمي ويحمل في طياته توجهات استعمارية إزاء الشعوب التي تقع خارج المنظومة الغربية. وتركز هذه النظريات على فضح الإيديولوجيات الغربية وتقويض مقولاتها المركزية على غرار منهجية التقويض التي تسلح بها الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا  لتعرية الثقافة الغربية المركزية ونسف أسسها الميتافيزيقية والبنيوية. وفي تحليله  لبعض السرديات المابعدكولونيالية، ونظرا للإشكالات التي تتعرض لعلاقة الأنا بالآخر أو علاقة الهامش بالمركز، ونظرا لسيرورة التهجين والإخضاع التي تتعرض لها الشخصيات المركزية  في بحتها عن الهوية المفقودة، خلص الأستاذ رشيد الحسيني  لاستحالة بناء صرح مرجعي صامد للهوية مما يزيد من حدة الإحساس بالضياع وعدم الانتماء وما ينتج عن ذلك من صراع داخلي أدى ببعض الشخصيات إلى العنف والانتحار. وخلص كذلك إلى أن مفهوم الهوية هو مفهوم فلسفي شائك يتحدى كل محاولات الحصر والفهم والبناء نظرا لتعدد العوامل المؤثرة في بناءه و نظرا للتداخل الثقافي والإثني والعرقي المابيني.
      وقد اختتمت الجلسة الصباحية بإلقاء عرض من طرف الأستاذ الباحث حسان السليماني الذي عالج في مداخلته المعنونة ب"الفلسفة والعيش المشترك" الدور الذي لعبته الفلسفة عبر تاريخها في التأسيس لقيم التسامح والحوار والتعايش منطلقا من اليونان وصولا إلى الفلسفة الحديثة، فمن خلال النموذج الذي جسده اسبينوزا وفلاسفة الأنوار والعقد الاجتماعي يتبين أن العنف لايمكن إلغائه إلا من خلال الفصل بين المجال الديني والمجال السياسي، لأن المجال الديني هو مجال الحقائق المطلقة والمجال السياسي، هو مجال النقاش والحوار والصراع وبالتالي يجب الفصل بين السياسي والديني من أجل التأسيس للقيم المدنية الضامنة  للعيش لمشترك والتي يتم التعاقد عليها من طرف الأفراد المكونين للمجتمع وقد أعطى الباحث حسان االسليماني مثالا بالصراع الديني الذي دار في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت والهجنوت الذين تمت إبادتهم مؤكدا أن رسالة في اللاهوت والسياسية هي انخراط من الفيلسوف في التأسيس لقيم العيش المشترك التي لن تكون إلا بتحويل الدولة من دولة سيادة إلى دولة تحمي الاختلاف وتكرسه  وتحمي حقوق جميع المختلفين.

4 - الجلسة المسائية:
       أما الجلسة المسائية فقد تم استئنافها في المركز الاجتماعي المتعدد الاختصاصات بسوق السبت في الساعة الرابعة والنصف مساء وقد ترأس جلستها العلمية المفكر المغربي سعيد ناشيد، وعرفت نقاشا مفتوحا استهله الأستاذ كمال صدقي بمداخلة حضر فيها البعد الجينيالوجي وقد كانت عبارة عن تفكيك لدلالات العنوان الذي أطر اليوم الدراسي " هل نحن في حاجة إلى الفلسفة اليوم؟"فحسب الأستاذ كمال صدقي فإن مصطلح الحاجة يحمل الكثير من المفارقات والتي تبدو متناقضة مع واقع الحال للفلسفة. فصيغة السؤال الاستفهامية مُلتبسة وتحتمل استنكار الوجود الفلسفي، بينما الصيغة "بأيّ معنى نحن في حاجة إلى الفلسفة تحمل معنى الحاجة بالفعل، وليس افتراض العكس كما في صيغة " هل"،قضية الحاجة قد طُرحت بمصطلحات متعددة لكنها تلتقي في نفس الهدف: مطلب الفلسفة، ضرورة الفلسفة، الدفاع عن الفلسفة.وفي ماذا تبدو الحاجة إلى الفلسفة كمطلب راهن؟ وما مدى مصداقية بعض الدعاوى التي تبدو مؤطرة بخلفية سياسية، من قبيل إعادة الفلسفة للواجهة من أجل محاربة التعصب الديني ومنه تجلياته" الجهل الإرهابي"، هل السؤال متعلق بحاجة الفلسفة إلى تجديد ذاتها أو الحاجة من أجل توظيف الفلسفة في معركة الصراعات الاجتماعية؟ بمعنى هل خلفية السؤال معرفية أم فلسفية وهل يمكن الفصل بين الفلسفي والسياسي، علما أن أفلاطون وقبله سقراط مارسوا الفلسفة من خلال صراع سياسي غير مُعلن مع سقراط وإن كان إعدامه سياسي وليس معرفيا له علاقة بتضليل عقول الشباب عبر افتراض " هرطقة سقراطية".. ومُعلن مع أفلاطون الذي آم يخف حاجته إلى الفلسفة من أجل الدفاع عن مصالح طبقته الأرستقراطية. نفس القضية تتكرر مع الكندي في علاقته بالخلفاء محبي الحكمة في مواجهتهم للفقهاء، وكذلك أبي حامد الغزالي في علاقته أو توظيفه من قبل الدولة السلجوقية لمحاربة الحركة الباطنية،.بالمحصلة الحاجة إلى الفلسفة قضية معقدة وتتداخل فيها عدة اعتبارات، علما أن إشكالية العلاقة بين الفكر والواقع دائما تعيد طرح إشكالية الحاجة إلى الفلسفة. من قبيل ما حاجة مجتمع متأخر إلى الفلسفة، علما أن الفلسفة موجودة وتحيى في المؤسسة التعليمية ولكن لأيّ غاية ومن يحدد هذه الغاية........هذا من بين مسار النقاش  الذي ساهم في إثارته الأستاذ كمال صدقي،أما الأستاذ مصطفى الزاهيد فقد تناول الحاجة إلىالفلسفة انطلاقا من النقاش/الحوار الذي نلمسه في الفروقات بين رواد مدرسة فرانكفورت وخاصة هوركهايمر وادورنو وهابرماس ممثل الجيل الثاني انطلاقا من مداخلة بعنوان "دور الفلسفة في عالمنا المعاصر: هوركهايمر و ادورنو ضد هابرماس" فالشروط التي فرضت على رواد فرانكفورت الرجوع إلى الفلسفة هي نفس الشروط التي تفرض علينا في عالمنا العودة إليها، وقد وقف الأستاذ عند مقولة دقيقة لهوركهايمر في كتابة النظرية النقدية والنظرية التقليدية"في حالة طرح مفهوم النظرية كشيء مطلق،كما لو كان قائما في جوهر المعرفة ذاته أو بشكل آخر خارج التاريخ فإنه ينقلب إلى مقولة إيديولوجية مشيأة" لقد دارت مداخلته في هذا السياق في اليوم الدراسي، وكان الهدف نقد مفهوم الحياد العلمي داخل العلم الاجتماعي، والحاجة إلى الفلسفة لتتبع مسار هذا الفصل بين النظرية والممارسة العملية ومن خلال تصور هوركهايمر لذلك ويورغن هابرماس كما بين الأستاذ الزاهيد مصطفى  أن الاختلاف بينهما لم يكن بسبب المنطلقات، بل بسبب الرهانات التي حركت كل واحد منهما في تصوره للمجتمع الإنساني الذي راهن عليه التنوير،فالحاجة إلى الحديث عن دور للفلسفة في الفضاء العمومي المعاصر ينبع من الأزمة التي تعرفها المجتمعات المعاصرة، وهي أزمة مرتبطة في المستوى الإجتماعي بإشكاليات العنف والشرعية السياسية وعلى المستوى الكوسموبولتيكي (أي الدولي) بإشكالية العدالة وسوء التوزيع، ففي المستوى الأول المرتبط بقضايا الشرعية السياسية، وتزامنا مع التفكك الذي تعرفه الدولة-الأمة التي حددتها معاهدة وستفاليا سيساهم ذلك  بشكل مباشر وغير مباشر في العودة إلى الخطاب الهوياتي، هذا الخطاب الذي يجد أسسه الصلبة في فلسفات التنوير. في هذا السياق سينخرط الجيل الثالث  والثاني من مدرسة فرانكفورت في البحث عن بديل لهذا الإنحراف أو المنعطف الكارثي الذي تعرفه المجتمعات المعاصرة وذلك بتفكيك الأنساق الفلسفية التي تحوي هذا النزوع الكارثي، وخاصة في تركيزهما على العقل الأنواري وتفكيك الإرتكاس الذي سقط فيه، وذلك بطرحهما لسؤال عميق نجده حاضرا في مقدمة تيدور أدورنو وماكس هوركهايمر لكتابهما "جدلية العقل": كيف سقطت الإنسانية في بربرية جديدة عوض أن ترتقي لوضع إنساني أصيل؟
   ومن أجل تعميق النقاش والانفتاح على الفلسفة السياسية المعاصرة سيوجه المفتش المنسق الجهوي لمادة الفلسفة – جهة بني ملال خنيفرة الأستاذ والمفكر رشيد العلوي النقاش في مداخلته"فِيمَ تُفِيدُ الفلسفة اليوم؟أطروحات غير مكتملة معتبرا سؤال""فيم تفيد الفلسفة اليوم؟ سؤالٌ يحكُمهُ الإنصات بالفِعل لِهَمِّ الفلسفة بِما هو هَمّ هذا الكون". وقد جسد هذا الهم من خلاله معالجته لخمسة محاور أساسيّة تشكل القضايا التي يعرفها العالم اليوم والتي تتطلب حضوراً للفلسفة من اجل استيعابها، وعلى رأس القضايا الإرهاب والذي اعتبره رشيد العلوي ابتزازا للفلسفة مابعده ابتزازا:لم تبتز الفلسفة يوماً أكثر مما تبتز اليوم. بحيث أوكلت لها مهمة مواجهة التطرف لدعم الديمقراطية: ولكن عن أية ديمقراطية يتحدثون؟ عن ديمقراطية الأقلية ضد الأغلبيّة؟ عن ديمقراطيّة رأس المال ضد ملايير المهمشين والمقصيين من دائرة الإنتاج؟ إن تعيين الفلسفة لمواجهة التطرف هو ابتزاز للفكر الحر والبحث الحر، هو دعوة للتنازل عن وظيفتها النقديّة وخندقتها في وظيفة سياسيّة، فهل يمكن للفلسفة أن تقوم مقام السياسي والسيّاسة والسيّاسات؟ 
    وقد في هذا العلاقة بين الفلسفة والسياسة مبينا أنه لا يوجد أي تطابق كلِّي بين الفلسفة والسيّاسة ولا أي انفصال بينهما، ففي الوقت الذي تتجه فيه السياسة – بتعبير سلافوي جيجيك – نحو الاهتمام بقضايا الشأن العام، نحو إيجاد أجوبة عمليّة وملموسة لمشكلات البشر، تتجه الفلسفة نحو إثارة المشكلات التي تعترض البشر في وجوده الملموس. وبهذا المعنى لا يمكن للفلسفة أن تلعب أدواراً سيّاسيّة كتلك التي تلعبها الأحزاب والجماعات الضاغطة وتنظيمات المجتمع المدني، كما لا يمكن للسياسة أن تقوم مقام الفلسفة.صحيح أن الفلاسفة لعبوا أدوارا سيّاسيّة في الدفاع والتنظير والتشريع لأنماط سيّاسيّة معينة ضد أخرى، غير أنهم لم يفعلوا ذلك باسم الفلسفة بقدر ما فعلوا ذلك كمواطنين في مجالهم وشأنهم العام. وقد ختم الباحث رشيد العلوي مداخلته  بمجموعة من الأسئلة التي حاولت أن تستشرف أفاق الدرس الفلسفي المغربي داخل المؤسسة وخارجها مبينا الفروقات بين عمال الفلسفة ومفكريها الأحرار، بين من يربطونها بالأجرة وبين من يحملون رسالة كونيّة.
      وتعزيزا للنقاش وجهنا الأستاذ حسن تزوضى نحو إشكالية معاصرة مرتبطة ب"بالهوية والتعددية الثقافية" معتمدا مقاربة مفاهيمية حيث توقف عند مفهوم الهوية بالنظر إلى دلالاتها المختلفة والتي ترتكز على مفهوم الجوهر كأحد المفاهيم المؤسسة للفلسفة اليونانية بشكل عام، وفلسفة أرسطو بشكل خاص. فالهوية في المنطق الأرسطي يعني الشيء هوهو، مطابقا لذاته في كل زمان ومكان، حيث الموجودات ثابتة لا تتغير، ومن هنا فإن الهوية في الفكر الأرسطي لا تولي الأهمية للتاريخ والسيرورة، وهذا ينسجم مع الانطولوجية اليونانية التي تعتبر بأن العالم عالمين عالم الثبات وعالم التغير، الأول هو عالم الجواهر والحقائق أما الثاني فهو عالم الأشباح والزيف. بعد أن استعرض الأستاذ التحديد الجوهراني للهوية، انتقل إلى تصور جديد للهوية سماه التصور الاختلافي المعاصر، هذا التصور الذي سيتشكل في إطار الفلسفة المعاصرة حيث النقد الجذري للمنطق الأرسطي ومن ثمة لتحديده للهوية، ثم إطار الفلسفة المعاصرة باعتبارها فلسفة للاختلاف سيتخذ مفهوم الهوية دلالات وأبعاد جديدة، فالهوية لم تعد تفترض الثبات والجوهر، بل أصبحت منفتحة على التعدد والتغير، فما يحدد الشخص ويجعله على ماهو عليه ليس بالضرورة ثابتا بل هو متغير باستمرار، فالهوية في سياق الفكر ألاختلافي المعاصر لا تقبع وراءنا بل هي انفتاح على الممكن.
       حاول الأستاذ محسين المحمدي أن يقف على مفهوم الحداثة وتحديدا على مفهوم الذات في مداخلته: "الفلسفة وتقشير أغلفة الوهم"، مبينا أن إشكاليّة الفلسفة الحديثة هي إشكاليّة الثورة على السطح وعلى الحواس، فالفلسفة هنا تحت تأثير وبإيعاز من النسق الكوبرنيكي الذي وجد امتداداته في الديكارتية لم تعد مهمتها هي وصف العالم بل إنها تكسير بداهاته وتقشير الإنطباعات الحسية ومحاولة للنفاد إلى عمق الأشياء لأنه تبث أن حاسة البصر وكل الحواس خادعة وأن الأشياء كما هي في ذاتها ليست كما أتمثلها وبالتالي فان الشك أضحى مطلبا منهجيا من اجل تجاوز الاستغفال الذي يضعني فيه العالم حسب الباحث محسين المحمدي حينما أتعامل معه بسذاجة وبدون منهج.
     سيميز المفكر المغربي منير الحجوجي في مداخلته: "المفكر السائح، المفكر المسافر، إما أن نقاوم جميعا أو نسقط جميعا"، بين مهام الفكر الفلسفي المعاصر كما يجب ان تكون وكما يتمثلها أنواع المفكرين، فالمفكر السائح هو الذي يرتبط بموجه قبلي في محاضراته فيظل متنقلا بين ما قيل في التاريخ، وينظر للمفاهيم والقيم والأفكار كأشياء في ذاتها أما مفكر الأرض فانه لا يقترب من الفلسفة ومن الأفكار إلا إذا كانت تخدم الراهن،كما بين أن الفكر الفلسفي/الجامعي الرسمي المغربي بنى مجاله خارج العالم، خارج الرهانات/الأخطار/التحولات.. وطرح  ثانيا ما اعتبره المهام الجذرية للمفكر المغربي .. وأنهي بدعوة إلى بناء فكر مغربي جديد،  فكر يجب أن ينتبه إلى قضايا "مكروسكوبية" لم نفهم لحد الساعة خطورتها... فكر أيضا لابد أن يتغذى ويتفاعل مع ما يقدمه مفكرون غربيون فهموا جيدا اللعبة وقرروا مواجهتها..وقد دلل منير الحجوجي عن تصوره من خلال أمثولة عميقة "يحكى أنه في غابة جميلة كانت تعيش حيوانات رائعة.. كان كل شيء يسير عاديا جدا حتى ذلك اليوم المشؤوم الذي اندلع فيه حريق مهول بدأ يأتي على الأخضر و اليابس.. فطنت الحيوانات بسرعة إلى هول الكارثة و فرت من الغابة إلا حيوان واحد.. كان الحيوان الذي رفض ترك المكان هو طائر الكولبري le colibris، و هو طائر صغير جدا و لطيف جدا .. كان بإمكان الحيوانات وهي خارج دائرة الخطر أن ترى ما كان يفعله الكولبري و هو في عين المكان: لقد كان يطير بكل السرعة المعروفة عليه نحو واد صغير ليحمل نطف ماء ليلقي بها في قلب النار.. كان الكولبري يعيد الكرة مرات كثيرة.. وبأناقة شديدة.. وهو في قلب العملية، خاطبه تمساح من بعيد: عزيزي الكولبري، هل تعتقد أنك بهذه الكمية التافهة من الماء التي تغامر بنفسك في سبيل نقلها إلى فوهة النار يمكنك أن توقف أي شيء؟ رد الكولبري: اعرف انه لايمكن إيقاف زحف النار، لكني أقوم بجزئي من المسؤولية..je fais ma part..إن خياراتنا القائمة على استنزاف/تخريب الأرض و استغلال/طحن البشر تقربنا كل يوم أكثر من الهاوية.. النار تتقدم من كل صوب.. و كولبري واحد لن يقدر على أي شيء..لايجب أن نعول أبدا على الفوق، على السياسيين، على الدولة.. لنستلهم حكمة الكولبري و نحاول القيام بما يستلزمه جزئنا من المسؤولية.. لنبدع أساليب جديدة في النضال/التغيير.. أساليب يجب أن تنطلق من التحت.. من الفرد.. من العائلة.. من الحي.. من المدينة.. يمكن أن نشتغل على مقاطع دقيقة من الفضاء الاجتماعي و نطلق مثلا حملة "نحو أكل طبيعي كامل في مدارسنا".. يمكن تخيل ممارسات أخرى من أجل سرطانات أخرى.. الكولبريات، جماعة الكولبريات، شعب/شعوب الكولبريات، هذا ما سوف ينقذ عالمنا. وقد عرف هذا اليوم الدراسي نقاشين مفتوحين بعد كل جلسة ساهم فيه التلاميذ باقتدار وكذلك كل الفعاليات الحاضرة من حقوقيين نقابيين وسياسيين ومدنيين وإعلاميين وطلبة وموظفين بتساؤلاتهم وتصوراتهم التي عبرت في عمقها عن الحاجة إلى فضاءات عمومية حقيقة تساءل المعيش.














































الثلاثاء، 1 مارس 2016

يوم دراسي وطني تحت شعار"هل نحن في حاجة إلى الفلسفة؟+أرضية الندوة+البرنامج

أرضــــية النــــــــدوة
    هل نحن في حاجة إلى الفلسفة؟ قد يُطرح هذا السؤال بصيغة استنكارية، بحيثُ يتوهم قارئه وجود تخمة في الفلسفة، تقتضي التوقف عن طلبها ونشدان الحاجة إليها. وقد يُفهَم منه من جهة ثانية نوع من "الاستنجاد والطلب" الذي تفرضه الضرورات والأزمات التي يعرفها عالمنا، والتي تقتضي استحضار هذا النمط من الفكر لكي يساعدنا في حل مشكلاتنا الفلسفية والوجودية.

     نحن في هذا اليوم الدراسي، على وعي تام بأن الحاجة إلى الفلسفة أصبحت مطلبا وجوديا، في ظل الإشكالات السياسية والدينية والثقافية والكوسموبولتيكية، التي يعاني منها الإنسان في عالمنا اليوم. ولهذا، فإننا نؤسس هذا المطلب، ليس على نوع من النكران الذاتي أو الجماعي لحضور الفلسفة في المؤسسات التعليمية والجامعية، بل إننا نؤسسه على الاعتراف الصريح بأن هذا الحضور اليوم  للفلسفة يجب العمل على تعزيزه، بحيث كان حضورا باهتا في مقابل أشكال وأنماط تعبيرية وثقافية أخرى،ليست بالقيمة التي يجب أن يحظى بها الفكر الفلسفي أمام حجم الصعوبات والإشكالات التي نواجهها. وهكذا فالمطالبة بالحاجة إلى الفلسفة، هي مطالبة بالحق الكوني للإنسان في نمط من المعرفة يُتيح له اكتشاف أهم ما يميزه بوصفه كائنا يملك كينونة تُتيح له تأسيس نوع من التواجد المشترك بينه وبين الآخرين، ليس بوصفهم مطابقين ومتشابهين، بل بوصفهم مُغايرين ومُختلفين، ولهم الحق في أن يكونوا كذلك.
            ونؤسس مطلب الحاجة إلى الفلسفة كذلك، انطلاقا من الوعي بأن الإشكالات الوجودية الكبرى، والتي سنعالجها على مدار هذا اليوم الدراسي، من قبيل الإرهاب والعنف والتسامح، وأيضا الحق في الاختلاف والحق في المعتقد، والحق في الحفاظ على التعددية الثقافية ....  هي إذن قضايا محايثة لوجود الإنسان المعاصر، مهما كانت وظيفته أو درجة مسؤوليته، فإنه يواجه هذه القضايا  المصيرية، بحيث لا تتيح له الموارد الثقافية السائدة ،من مثل، الإعلام السمعي البصري والورقي ومختلف الأجهزة الإيديولوجية، النظر إلى تلك القضايا بعمق. وحينما يكون الفهم مشوها ،لا ننتظر إلا ممارسة أو سلوكا مشوّها، فيصير البحث عن الاختلاف والتعدد والإيمان بالآخر، بحثا حثيتا، تتطلبه الحاجة إلى الفلسفة من أجل الانعتاق من زعم التطابق والمشابهة. ومن هذا المنطلق تتيح لنا الفلسفة باعتبارها معرفة تتأسس على النقد والتفكير المزدوج في الذات وفي الآخر وفي والمحيط ، القدرة على نسج الجسور بيننا وبين الآخرين، سواء كانوا أولائك الذين ننتمي إليهم (النحن) أو أولائك الغرباء عنّا (الغير)، ( بدل الهم on) وهي في العرف الفلسفي "المبني للمجهول" كما عند هيدجرفي عالم يزداد فيه دعاة التشابه والإنغلاق والقتل والتدمير للإنسان والبيئة.
وهكذا تكون الفلسفة، والعودة إلى الفلسفة، هي عودة إلى فكر يؤمن بأن الإلتزام "بواجب ما" تجاه هذا الوجود بكل ما يتضمنه، مسألة ضرورية من أجل إنقاذ عالمنا من جميع النزعات التدميرية. فالفلسفة هي العلاج لأعطاب المجتمع كما كان يرى نيتشه ، وليست هذه العودة نوعا من النزوع الأخلاقوي، بل هي عودة تفرضها حاجات أخلاقية ومعرفية تتمثل في تمكين ناشئتنا ومجتمعنا من القدرة على تفكيك كل الخطابات، التي تقدم نفسها كونها حقائق خالدة ومتعالية على واقعهم ومواطنتهم وكرامتهم وأمنهم واختياراتهم وحريتهم.
ما يجب تأكيده، وما لايجب فهمه، وهو أن هذا اليوم الدراسي لا يؤسس مطلبه "الحاجة إلى الفلسفة" على حساب الإقصاء لحقول معرفية أخرى تحمل وتتقاسم مع الفلسفة هذا الهم الجماعي في التفكير في أفضل الطرق التي تتيح للجميع العيش بكرامة، بل يعتبر حضور الفلسفة وتعزيز وجودها بوصفها ضرورة يومية سيساهم إلى جانب أنماط أخرى من المعرفة النقدية في تحقيق هذا المطلب. يمكن صياغة بعضا من الإشكالات من خلال المفارقات العميقة التالية:هل مطلب الحاجة إلى الفلسفة القصد منه تجديد ذاتها أم هذه الحاجة هي من أجل توظيف الفلسفة في معركة الصراعات الإجتماعية؟ بمعنى هل خلفية السؤال فلسفية أم سياسية؟ وهل يمكن الفصل بين الفلسفي والسياسي؟ حتى وإن رجعنا إلى بدايات تأسيس الفلسفة، سنجد أن أفلاطون وقبله سقراط مارسوا الفلسفة من خلال صراع سياسي غير مُعلن مع السفسطائيين، أي حاجتهم إلى فلسفة مُضادة لما يُشيعه خصومهم على أنه فلسفة،واعتقاد الخصم السوفسطائي أن ما يؤسس له هو الفلسفة كحاجة ضرورية رافقت تطور المجتمع اليوناني.إن الحاجة إلى الفلسفة بالنسبة للطرفين تختلف باختلاف المواقع الطبقية والرهانات السياسية.  وأفلاطون نفسه لم يخف حاجته إلى الفلسفة من أجل الدفاع عن المصالح السياسية لطبقته الأرستقراطية. نفس القضية تتكرر مع الكندي في علاقته بالخلفاء "محبي الحكمة" في مواجهته للفقهاء الرافضين للفلسفة، وكذلك أبي حامد الغزالي في علاقته أو توظيفه من قبل الدولة السلجوقية والتي كانت في حاجة إلى فلسفة تُقوّض الخلفية الفلسفية للحركة الباطنية.
  بالمحصلة الحاجة إلى الفلسفة قضية معقدة وتتداخل فيها عدة اعتبارات، علما أن إشكالية العلاقة بين الفكر والواقع دائما تعيد طرح إشكالية الحاجة إلى الفلسفة. من قبيل ما حاجة مجتمع متأخر إلى الفلسفة، علما أن الفلسفة موجودة وتحيا في المؤسسة التعليمية ولكن لأيّ غاية ومن يحدد هذه الغاية؟
لا يفوتنا في هذا الصدد، أن نذكر بالرغبة النبيلة التي تحدوا هؤلاء الشباب/الأساتذة، الذين فكروا في هذا اليوم الدراسي، حالمين منذ سنتين في إرسائه كتقليد سنوي، من داخل المؤسسة العمومية، وجعله فضاء مفتوحا لجميع الأساتذة من داخل المادة أو من خارجها ،من أجل اللقاء وتبادل الأفكار والمعارف. وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على الإستيعاب العميق والفلسفي "لشعار ربط المدرسة بمحيطها". فهذا الربط لا يتحقق بفتح أبوابها وإلغاء أسوارها، بل ما نفهمه من هذا  الربط هو أن تكون المدرسة والمؤسسة عموما محتضنة للنقاش العمومي، ومتدخلة وحاضرة فيه بأطرها وكفاءاتها، وذلك من أجل تنوير تلامذتنا ومحيطنا ومجتمعنا، لأن المدرسة هاهنا لم تعد بالنسبة لنا ممرا أو جسرا وظيفيا يعبر منه التلميذ نحو مؤسسات أخرى، الجامعة مثلا، بل هي مجال القطائع القيمية، بحيث أن القضايا التي تهم التلميذ،  وتمس مصيره ومستقبله يجب أن تكون حاضرة داخل المدرسة، ويجب أن تسهم كل الأطر في إيجاد وتقديم الإجابات عنها عوض أن نترك تلامذتنا ضحية التمثلاث والحس المشترك والأفكار الجاهزة. وتكريسا لثقافة الإعتراف لا يفوتنا توجيه الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا اليوم الدراسي، وتوفير الشروط له من الإدارة التربوية لمؤسسة ثانوية الخوارزمي، ونخص بالذكر الداعم الرئيسي لهذا اليوم الدراسي،  المكتب الجديد لجمعية أباء وأمهات وأولياء التلاميذ على بذله كل الجهد في توفير جميع الحاجيات اللوجستيكية، من أجل إنجاح هذا اليوم الدراسي، ولا ننسى كذلك السيد المراقب التربوي لمادة الفلسفة الأستاذ رشيد العلوي على كل الجهود التي يبدلها منذ التحاقه بالجهة، في سبيل تعزيز حضور الفلسفة والتقاليد الفلسفية بهذه الجهة انطلاقا من تجربة الأولمبياد إلى هذا اليوم.

اللجنة المنظمة
حسن تزوضى/الحسين المعطاوي/عبد الإله الحلوي/الزاهيد مصطفى
تنسيق : الأستاذ والمراقب التربوي رشيد العلوي